زيادة في معروض الغاز الطبيعي في ظل أزمة اقتصادية وانهيار في الطلب العالمي

لقد تطرقنا في المقالات السابقة عن التحديات التي تجابه صناعة الغاز الطبيعي المسال Liquefied Natural Gas-LNG نتيجة التطور في تقنيات استغلال مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية Non-Conventional Gas وانهيار الطلب العالمي على الغاز نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، تقريبا في جميع الأسواق العالمية1. تزامن كل هذا مع توقع أن تشهد صناعة الغاز الطبيعي المسال توسعا كبيرا في الطاقات الإنتاجية خلال السنتين المقبلتين. ونتيجة لتضافر جميع هذه العوامل، من المتوقع أن يشهد عام 2009 و2010 بصورة خاصة فائضا في إمدادات الغاز الطبيعي، إن نشوء هذا الفائض يعد تحولا جذريا في واقع أسواق الغاز العالمية التي شهدت ندرة في الإمدادات في الفترة من أواخر عام 2006 حتى عام 2008، مما أدى إلى اختلال في ميزان العرض والطلب في تلك الفترة لمصلحة الطلب. ونتيجة لهذا التحول الجذري واصلت أسعار الغاز انخفاضها. على سبيل المثال أسواق هنري هوب في أمريكا الشمالية، شهدت هبوطا في أسعار الغاز إلى ما دون عتبة أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية MMbtu.

في هذه المقالة، والتي هي الأخيرة في سلسلة المقالات الخاصة بصناعة الغاز الطبيعي، سنتطرق إلى واقع ومستقبل إنتاج الغاز الطبيعي في العالم وسط زيادة كبيرة متوقعة في معروض الغاز الطبيعي متزامنة مع أزمة اقتصادية عالمية وانهيار في الطلب العالمي.

إن سوق الغاز العالمي يعد جديدا ولا يزال يواجه تحديات عدة، إضافة إلى ذلك واجه ومنذ الأيام الأولى تباطؤا اقتصاديا لم يسبق له مثيل منذ أكثر من نصف قرن. لكن مع ذلك، إن تدهور الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة الحالية لن يحد من زيادة الطاقات الإنتاجية العالمية من الغاز الطبيعي المسال في المديين القصير والمتوسط. حيث إن في الوقت الحاضر يوجد عدد كبير من مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي من المؤمل جدا أن تبدأ في الإنتاج قريبا. الطاقات الإنتاجية لهذه المشاريع مجتمعة يوازي تقريبا نصف مجموع الطاقات الموجودة حاليا. حيث تقدر الطاقات الإنتاجية للمشاريع التي هي قيد الإنشاء حاليا بنحو 100 مليون طن متري، هذه المشاريع من المقرر أن تبدأ بالإنتاج بين عامي 2009 و2013. لكن مع ذلك، الأزمة الاقتصادية ستؤثر سلبا على نمط التجارة العالمية, وخصوصا على تجارة الغاز المسال، وذلك نتيجة لانخفاض الطلب على الغاز في معظم الأسواق العالمية، إذا لم يكن في جميعها. ويمكن لهذه الأزمة أن تؤثر سلبا أيضا في المشاريع التي هي الآن في المراحل الأولى أو في طور التخطيط.

خلال عام 2008 ولأول مرة منذ أكثر من ربع قرن انخفضت إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية انخفاضا طفيفا, حيث إن من مجموع أكثر من 15 قطرا مصدرا للغاز، فقط أربعة أقطار تمكنت من زيادة الكميات المصدرة وهي كل من الإمارات (أبو ظبي)، قطر، النرويج وغينيا الاستوائية. إن هذا الانخفاض الطفيف في إمدادات الغاز العالمية خلال عام 2008 يعود إلى عدد من العوامل. ويأتي على رأس هذه العوامل التأخير في مشاريع حقول إنتاج الغاز الجديدة، تزامن ذلك مع نقص في إمدادات الغاز من المشاريع الحالية، إضافة إلى عدد من المعوقات الفنية في عدد من المشاريع الأخرى. لكن هذا الانخفاض الطفيف في إمدادات الغاز الطبيعي تزامن مع زيادة في طاقات إنتاج الغاز الطبيعي المسال، ما أدى إلى انخفاض مستويات استغلال خطوط تسييل الغاز الطبيعي إلى ما دون 85 في المائة.

خلال الفترة بين عام 2009 وعام 2013، هناك عدد من مشاريع الغاز الطبيعي المسال من المتوقع أن تبدأ في الإنتاج في كل من قطر، الجزائر إندونيسيا ، اليمن، روسيا، أستراليا، بابوا غينيا الجديدة وبيرو. ففي عام 2009، من المتوقع أن يبدأ التشغيل في عدد من خطوط تسييل الغاز الطبيعي الجديدة، بما في ذلك مشاريع تسييل الغاز في بلدين جديدين على صناعة الغاز المسال هما روسيا واليمن. ونتيجة لذلك من المتوقع أن يزداد معروض الغاز الطبيعي خلال عام 2009 بين 15 و20 مليون طن متري أي في حدود 10 في المائة من الإنتاج العالمي الحالي. إضافة إلى ذلك من المتوقع أيضا أن تزداد طاقات تسييل الغاز الطبيعي بالنسبة نفسها تقريبا، ما يعني أن مستويات استغلال خطوط تسييل الغاز الطبيعي ستبقى دون 90 في المائة. أما في عام 2010 فمن المتوقع أن يزداد معروض الغاز الطبيعي أيضا نتيجة بدء التشغيل في مشاريع جديدة أخرى واستمرار تراكم الإنتاج من مشاريع سابقة، معظم الزيادة في الإنتاج والتي تقدر بين 28 و33 مليون طن متري، من المتوقع أن تأتي من قطر، نيجيريا، إندونيسيا وروسيا وبدرجة أقل من كل من بيرو والجزائر. وكما هو الحال في عام 2009، طاقات تسييل الغاز الطبيعي في عام 2010 من المتوقع أن تزداد أيضا بالنسبة نفسها تقريبا، ما يعني أن مستويات استغلال خطوط تسييل الغاز الطبيعي ستبقى أيضا دون 90 في المائة وللعام الثالث على التوالي. وإضافة إلى تزايد طاقات الإنتاج وخطوط تسييل الغاز الطبيعي، فإن طاقات الشحن هي الأخرى في تزايد مستمر، وبالتالي، فإن الفائض في طاقات الشحن هو الآخر مستمر في الارتفاع، حيث من المتوقع أن تبلغ طاقات الشحن الفائضة قصوتها في نهاية العام الحالي، بعد ذلك من المتوقع أن تبدأ في الانخفاض. جميع هذه الاستثمارات والطاقات الفائضة عبر جميع مراحل توريد الغاز الطبيعي Across the Natural Gas Supply Chain تزامنت مع انخفاض الطلب العالمي نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، كما ذكرنا سابقا. هذه العوامل مجتمعة انعكست سلبا على صناعة الغاز العالمية، حيث هبطت أسعار الغاز إلى مستويات متدنية وفي الوقت نفسه زادت طاقات الإنتاج غير المستغلة. لكن البعض هنا يرى أيضا أن الأزمة الاقتصادية العالمية كان لها جوانب إيجابية على الصناعة الغازية العالمية, وخصوصا صناعة الغاز الطبيعي المسال، حيث أسهمت هذه الأزمة في خفض تكاليف البناء والمعدات لهذه المشاريع.

في نهاية المطاف من المتوقع أن تستعيد أسواق الغاز العالمية عافيتها عاجلا أو آجلا، ويعود التوازن في العرض والطلب إليها من خلال انتعاش الاقتصادي العالمي، ما يؤدي إلى انتعاش الطلب على الغاز من جديد على الصعيد العالمي ويعود ميزان العرض والطلب إلى سابق عهده

بارك لله فيك