لا أكاد أذكر أو أسمع كلمة "الإعلام الإسلامي"، إلا وذكرت معها اسم الأخ الدكتور عبد القادر طاش رحمه الله، وقد عرفت في عالم الإعلام كثيرين خلال أربعين سنة مضت، ولم أعرف مثله رجلا نذر نفسه بهذا القدر للإعلام الإسلامي، في مرحلة تاريخية جعلت مسيرته من أشدّ ما يمكن أن تكون عليه مسيرة المخلصين، منذ كتب مقالته الأولى ونشرتها جريدة "الندوة" السعودية بعنوان "خواطر طالب" وهو في مقتبل الشباب، وإلى أن وافته المنية بعد مرض عضال، فلقي وجه ربّه في 14 صفر 1425 هـ و4 نيسان/ إبريل 2004م، عن عمر لم يتجاوز 56 عاما هجريا (53 ميلاديا)، رحمه الله وأجزل له الثواب.
ومع وصول موضوع صورة الإسلام والمسلمين في الغرب وإعلامه إلى مكانة متصدّرة بين القضايا المطروحة في هذه الفترة، تظهر مجدّدا قيمة هذا الكتاب. ولئن كَتب من كَتب عن صورة الإسلام والعرب في الإعلام الغربي قبل ظهوره، فلا ريب أنّ مؤلّفه د. عبد القادر طاش، كان من أوائل من أعطى الموضوع صبغة الشمول لجوانب الموضوع مع التأصيل المنهجي العلمي. وقد صدر كتابه هذا في عام 1409هـ (1989م)، أي من قبل أن يصبح الموضوع بتأثير أحداث التسعينات الميلادية وما بعدها في بؤرة اهتمام كثير من الأقلام، ولكن رغم كثرة ما ظهر من بعده أيضا تبقى لكتابه مكانة متميّزة، من جوانبها البالغة الأهميّة، أنّه لا ينطلق فيه -كما شاع حديثا- من موقع "الدفاع"، أو بهدف البحث عن أي سبيل لجلب مرضاة "الآخر"، بل كان قادرا على الكشف -في وقت مبكّر- عن أنّ تلك الصورة المصنوعة إعلاميا في الغرب إنّما هي صورة "نمطية"، وليست ناتجة عن ردود الفعل على أحداث بعينها، فلا تتغيّر بمحاولات التأثير الشكلية والوقتية، فلها جذورها التاريخية، التي لم تنشأ بين ليلة وضحاها، كما أصبحت لها مظاهرها المنتشرة في مختلف وسائل الإعلام والنشر، وساهمت وتساهم في الحفاظ عليها عوامل عديدة، فلا بدّ لمن يريد التعامل معها تعاملا موضوعيا جادّا وهادفا من الإحاطة بجميع ذلك، وهذا ما يجعل الكتاب مرجعا لا غنى عنه لمن يريد مواجهة تلك الصورة السلبية بصورة فعّالة هادفة.