الإعلام‏..‏ حضور الأزمات وغياب الصفوة‏

وعلي الرغم من أن علم إدارة الأزمات إعلاميا لايمثل اتجاها حديثا عندنا‏,‏ فإن دراسة الخبرة الإعلامية يمكن أن تضع بين أيدينا‏,‏ دورهذا الإعلام‏,‏ خاصة‏;‏ حين تتنبه له المراكز البحثية والمؤسسات التابعة للعقل السياسي الغربي في إدارة أية أزمة سواء علي مستوي حضورالصفوة الغربية أوغياب دور الصفوة العربية عبر هذه المراكز والمؤسسات التي يجب ان تقوم‏_‏ في المقام الاول بدراسة تزويد صانع القرارات بما يمكن أن يأخذ به قراره‏..‏وهو مانراه عبرالإطار النظري والمفاهيم والاتجاهات البحثية في إدارة الأزمات من المنظور الإعلامي في هذا الكتاب المهم الذي صدر أخيرا عن دار‏(‏ مصر المحروسة‏)‏ وبذلت فيه د‏.‏ هويدا مصطفي جهدا فائقا‏.‏وعبورا فوق تعريفات كثيرة لمفهوم الأزمة ومناهجها ومراحلها في المرحلة القطبية الثنائيية أو مابعدها‏..‏ فإننا أمام هذه الصفوة الإعلامية أو الثقافية التي تلعب هذا الدور‏,‏ وهو دور يقترب كثيرا‏-‏ بل يتأكد في الغرب‏_‏ عبر هذه المراكز التي يطلق عليها اليوم اسم_Thinktanks‏ هذه المراكز الإمبريالية خاصة التي تنتشر الآن كالفطر حيث تستفيد هذه المراكز من جميع الوسائل حولها‏_‏ ومن أهمها‏_‏ الإعلام‏_‏ لتعطي لصاحب القرار مايمكن به أن يدير ويطور دوره ليتخذ القرارات الصحيحة‏,‏ وهو ما نجده في كثير من الأمثلة هنا‏..‏ وحين نتمهل عن أزمة مانهاتن‏,‏ فسوف نلاحظ استخدام الإعلام كأداة لإدارة الأزمة وجزء من الاستراتيجية السياسية والعسكرية التي اتبعتها الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها ومصالحها وتأثيرها علي المجتمع لدولي‏,‏ حين احتلت هذه الازمة موقع الصدارة في الشبكات التليفزيونية الثلاث الكبري فطبقا لتقديرات مؤسسة ميديا ريسبريشن للأبحاث الإعلامية‏(‏لاحظ هذا الدور‏)‏ فقد بلغ عدد من تابعوا التغطية التليفزيونية لهذا الحدث علي مستوي الشبكات الأمريكية الثلاث‏ABC‏ و‏CBS‏ و‏NBC‏ عدد‏60.5‏ مليون مشاهد داخل الولايات المتحدة إلي غير ذلك‏..‏ حيث خصصت هذه الشبكات ساعات إرسالها اليومي لتغطية الأزمة وتطورها كما نحت الشبكات الاعلامية الاعتبارات التجارية جانبا لتفسح المجال أمام التغطية المباشرة والمستمرة لتطورات الأزمة‏,‏ حيث ظلت المحطات الفضائية تبث قصصا لأربعة أيام متواصلة منذ اندلاع الأزمة بدون أيةإعلانات تجارية‏..‏ كان هذا يفسر حضور الأزمات وحضور الصفوة الغربية في آن واحد‏.‏كانت الدراسة هنا لاتغفل دور الصفوة العربية لكن عبر وسائل الإعلام في حين أن الصفوة الأخري الغربية كانت هي التي تحرك الإعلام وتمنح صاحب القرار الغربي تحريك هذا الاعلام‏,‏ بل ان النمط الغالب علي مستوي الإعلام الغربي‏‏ قد عكس درجة من الارتباط بالتوجهات السياسية والعسكرية في إطار بعض المتغيرات التي تحكم الممارسة الإعلامية في وقت الأزمات‏‏ وهو ما كان يتم بإيعاز من هذه التوجهات وقت الأزمات خاصة حين كانت تقل درجة الخلاف المسموح بها سياسيا وإعلامياما يؤكد أن الإعلام الغربي‏_‏ بإيعاز من توجهات خارجية‏_‏ كان يلعب هذا الدور لصالح الغرب‏,‏ ولم يكن بعيدا عن هذا مكتب الاعلام الغربي الذي أنشأته الولايات المتحدة لغرض واحد هو‏‏استهداف التأثيرعلي توجهات الإعلام الدولي بما يتلاءم وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية وهو منوط به تحرير الوسائل الإعلامية التي تستهدف دعم السياسة الخارجية الأمريكية ومواجهة حملات الإعلام المضاد التي يشنها النظام العراقي‏‏ وهو ماتشير إليه الباحثة حين ذكرت هذه الأوضاع بما حدث في حرب الخليج الثانية حين خلصت الدراسة التي أعدها‏‏ مركز الدراسات الإعلامية في جامعة ماساشوستس‏‏ إلي وجود علاقة ارتباطية بين كثافة التعرض لوسائل الإعلام وبين انخفاض درجة المعرفة لدي الجمهور بحقيقة مايدور في الحرب‏.‏وقد أدي النقص في المعرفة إلي تأييد التدخل العسكري كما اشارت دراسة قامت بها مؤسسة‏(‏لاحظ مؤسسة‏)FAIR‏ إلي أنه في حرب العراق كانت الشبكة التليفزيونية الأمريكية تعبر عن وجهة النظر الرسمية‏..‏ولانحتاج لجهد كبير لندرك أن الفضائيات العربية لم تقم بهذا الدور الذي قامت به الفضائيات الغربية‏(‏ بإيعاز من المؤسات أو المراكز البحثية‏)..‏ في غياب مثل هذه المؤسسات والمراكز الغربية التي كانت تقوم بدور كبير سواء للنظام السياسي العربي أو الفضائيات العربية‏..‏ الأكثر من هذا إيلاما كما أكدت الباحثة أنه في حين اقتربت نسبة كبيرة من وسائل الإعلام العربية بمعالجتها للحرب من تيار الإعلام الأوروبي المناهض للحرب مع اختلاف الأولويات‏,‏ مع ملاحظة‏‏ أن الإعلام الخليجي في معظمه‏(‏خصوصا الإعلام الرسمي‏)‏ يتبني وجهة النظر الموالية لتوجهات الإعلام الأنجلوأمريكي‏!!!(‏ وعلامات التعجب من عندنا هنا‏)..‏وعلي هذا النحو راحت الباحثة تؤكد‏_‏ عبر رصد الدراسات الخاصة بإعلام الأزمات‏)-‏ علي دور هذه الوسائل‏,‏ ليس بالدور الرسمي الذي قامت به وحسب‏,‏ وإنما بالدور الذي كان منوطا به خاصة من المراكز البحثية والمؤسساتية داخل الولايات المتحدة وخارجها في‏‏ تاثيرها الواضح علي أسلوب التغطية الإعلامية للشبكات الأمريكية‏.‏وفي هذا الإطار راحت الدراسة تشير إلي نتائج مهمة منها أن اتجاه قناة الحرة للقضايا العربية كان بقصد تقديم الرؤية الأمريكية في القضايا العربية وغلبة الأخراب ذات الاتجاه السلبي في تناول الأخبار والأحداث المتعلقة بالقضايا العربية‏..‏وهو الاتجاه السلبي وراء التقليل من عمليات المقاومة سواء العراقية أو الفلسطينية وراحت تركز في إطار تناولها لأبعاد القضية الفسطينية علي مسئولية القيادة الفلسطينية وعجزها عن احتواء موجات العنف واعتبرت أن العنف والقرصنة الإسرائيلية إنما هو رد فعل لعمليات العنف والإرهاب الفلسطيني‏(!!)‏ بل إنها أرجعت كل عمليات المقاومة العربية في المنطقة سواء في العراق أو فلسطين أو دارفور إلي‏‏ التنظيمات الإرهابية‏‏ كما أطلقت عليها‏_‏ أو لغيبة‏‏ الديموقراطية والحرية مع إبراز الدور الأمريكي في مواجهة الإرهاب‏(!!)‏ إلي غير ذلك مما يؤكد أن التغطيات الإعلامية الأمريكية كانت تحظي بدراسات ومواقف العديد من المراكز المؤسساتية الغربية وتفعيل كل التغييرات لصالح العم سام‏..‏وبعد‏,‏ لاتستطيع هذه السطور أن تشير إلي الكثير مما جاء في هذا الكتاب‏,‏ خاصة أن إشكالية دراسة الأزمة‏-‏ كما اعترفت بها د‏.‏هويدا منذ البداية‏-‏ تكمن في عدم وجود رصيد علمي يمكن أن يشكل ملامح وسمات محددة مستقلة لدراسة الأزمة‏,‏ وهو مانجده في الغالب في حضور المراكز والمؤسسات الغربية وغياب المراكز والمؤسسات العربية التي نفتقر إليها‏,‏ فمع أن لدينا في الرصد الدقيق مايزيد علي أكثر من مائتين من هذه المراكز في العالم العربي‏,‏ فإننا يجب أن نعترف بغياب هذه المراكز والمؤسسات والمنتديات البحثية والأكاديمية في أن تقوم بدور إيجابي في الأزمات في عصر الغرب الإمبريالي ووجهه القبيح‏..

شكرالك العزيز وبارك لله فيك