في معظم البلدان إذا وقعت أزمة بنكية، فمن شأن ذلك أن يدفع المستثمرين إلى الهروب. لكن الولايات المتحدة بلد مختلف. حين ضربت العاصفة المالية وول ستريت، لجأ المتداولون إلى الدولار. لكن مع عودة الثقة، فإن الإغواء الذي يحمله اقتناء الموجودات الأمريكية آخذ في التراجع. المستثمرون يريدون العوائد، وكثير منهم يشعر الآن بالقلق حول مستقبل الدولار الأمريكي.
في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز هوت أسواق الأسهم. المستثمرون المرتعبون لم تكن لديهم أدنى فكرة عن البنك الكبير التالي الذي يمكن أن يتضرر بفعل الشظايا المتطايرة، أو ما إذا كان النظام كله سيتعرض للانهيار تحت ثقل وزنه الكبير. خسر مؤشر ستاندار آند بورز 500 نصف قيمته تقريباً. أما مؤشر فيكس، الذي يقيس نسبة التقلب في ذلك المؤشر، فقد حلق في الأعالي. وكان هناك طلب ضخم على الموجودات الآمنة والمضمونة والسائلة.
وكان يُنظَر إلى الدولار الذي ترعاه حكومة ضخمة تتمتع بمرتبة ائتمانية ممتازة، على أنه ملاذ آمن. والمستثمرون الخائفون الذين كانوا يسعون للتخلص من المخاطر راحوا يتدافعون للتمسك بالدولار، ما أدى إلى تسريع ارتفاع العملة الأمريكية. ومع هبوط سوق الأسهم في آذار (مارس) إلى أدنى نقطة لها، وصل الدولار إلى الذروة، وارتفعت قيمته بنسبة 15 في المائة (عند احتسابها بالوزن التجاري النسبي) زيادة على قيمته في أخر أيام الدوام الرسمي في بنك ليمان براذرز.
منذ ذلك الحين هدأت أعصاب المستثمرين، وارتفعت الأسهم بنسبة 31 في المائة، وهبط مؤشر فيكس، الذي كان لا يزال مرتفعاً، الذروة التي وصل إليها. وتشير تحركات الدولار إلى هذا النمط. ففي حين أنه كان مرتفع الثمن زيادة على سعره في أيلول (سبتمبر)، تهاوى هذا الأسبوع أدنى مستوياته هذا العام.
عند حساب القيمة الحالية للدولار على أساس التكلفة الفعلية للبضائع والخدمات، فإنه يبدو أضعف مما يجب مقابل اليورو والين. ومقابل الإسترليني يعتبر سعره الحالي مناسباً إلى حد لا بأس به. ولعله ليس من قبيل المفاجأة أن المستثمرين يعاملون الولايات المتحدة وبريطانيا على حد سواء. فكلاهما عملاق مالي هبط من عليائه، وهما يتبعان سياسات متماثلة.
تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا في الوقت الحالي بتيسير السياسة النقدية على نحو نشط، وفي الوقت نفسه تعاني كل منهما من عجز مالي ضخم. ظلت الولايات المتحدة لفترة طويلة تستغل موقعها باعتبارها المُوَرِّد للعملة الاحتياطية للعالم، وتحملت أثناء ذلك ديوناً هائلة ليس بمقدور أية حكومة أخرى أن تتحملها. لكن ربما يكون هناك حد لما تستطيع حتى الولايات المتحدة أن تنجو به.
هذا الأسبوع وضعت وكالة ستاندارد آند بورز السندات السيادية البريطانية تحت المراقبة، مع احتمال تخفيض مرتبتها الائتمانية. ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن الوكالة تخشى أن نسبة الدين الحكومي يمكن أن تخترق حاجز 100 في المائة من الناتج القومي البريطاني. إذا كان هذا الأمر يبدو مرجحاً، فربما تخسر بريطانيا تقييمها الائتماني الممتاز. لكن إذا أرادت الوكالة أن تطبق المعايير نفسها على الولايات المتحدة، فإنها هي كذلك تواجه التهديد بتخفيض مرتبتها الائتمانية.
والواقع أن نسبة الدين الأمريكي أعلى من الدين البريطاني، وأن معدلات العجز تظل أكبر ولفترات أطول. وبالنظر إلى القيود التي يفرضها النظام السياسي الأمريكي، ستجد السلطة التنفيذية أن من الصعب عليها أن تحاول حشْر أي نوع من التخفيض الطارئ للمالية العامة داخل النظام. وليس هذا واضحاً من أسواق السندات، إذ لا تشير الأسعار إلى الخوف من التضخم المنفلت من عقاله. لكن كونوا حذرين، فالمتداولون في العملات يحتسبون منذ الآن احتمال المخاطرة بأن الولايات المتحدة ربما تضطر إلى اللجوء إلى طبع الأموال.