بٍســمـ اللــه الــرحمـــن الرحيـــمـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.. من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ..
أما بعد ....
(( كيف سلمت الدولة الإسلامية من تآمر يهود بني قريظة وخيبر عليها ))..
وكان بنو قريظة قد اتفقوا مع حيى بن أخطب أن يعطيهم مهلة عشرة أيام يستعدون فيها على أن تشتد كتائب الأحزاب في مناوشة المسلمين خلال هذه الفترة حتى يشغلوهم عن بني قريظة، وقد اشتد المشركون في مناوشتهم للمسلمين حتى أجهدوهم.
وتهيأ بنو قريظة للإغارة على المدينة ليلا؛ فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة من جهة بني قريظة، وكان الخوف على من بالمدينة من النساء والأطفال من بني قريظة أشد من الخوف عليها من قريش وغطفان.
وظل الأمر على ذلك بضع عشرة ليلة؛ فتفاوض الني صلى الله عليه وسلم مع زعماء غطفان في أن ينصرفوا عن المدينة على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة، ولم يبت في الأمر حتى يأخذ رأي الأنصار؛ فلما استشارهم في ذلك قالوا: يا رسول الله! أمر تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لابد من العمل به أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم [2] من كل جانب؛ فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما"، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله! قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنت وذاك"، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ثم قال: ليجهدوا علينا.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى لرسوله وأصحابه من هذه الشدة فرجا ومخرجا؛ فساق إليهم نعيم بن مسعود الأشجعي من غطفان فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي؛ فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت فينا رجل واحد؛ فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة".
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان لهم نديما في الجاهلية - فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت! لست عندنا بمتهم، فقال: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم؛ البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره؛ فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة [3]أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم؛ فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا محمدا حتى تناجزوه، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: لقد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم؛ فاكتموا عني، فقالوا: نفعل، قال: أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا ندمنا على ما فعلنا؛ فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين: من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؛ فأرسل إليهم أن نعم؛ فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا.