الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد : إخواني وأخواتي .....
ما أجمل الحياة حين يكون ملؤها الحب و التسامح, ما أجملها حينما يحمل الإنسان بين طيات قلبه العفو و التجاوز ..
حينها تسود الألفة, و الود في مجتمعنا الإسلامي الذي نحن في أشد الحاجة إليه ..
حينها يقابل المسلمون إساءة إخوانهم بالإحسان, حينها تذوب البغضاء و تزول الشحناء بمقابلته للإحسان
العفو ..
تلك الكلمة المكونة من ثلاثة أحرف أجرها عظيم عند الله كما أنها تظهر الصورة الجلية لتربية النفس و السمو بها إلى أعلى خلق فاضل, أليست هي صفة من صفات الله تعال: ((و إن الله لعفو غفور((
فقد أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله _ صلى الله عليه وسلم _ وهو خطاب لأمته فقال : (( خذ العفو وأمر وأعرض عن الجاهلين )) سورة الأعراف 199
والعرف معروف وهو ضد المنكر ..
تعريف العفو : قال الكفوي : كف الضرر مع القدرة عليه وكل من استحق عقوبة فتركها فهذا الترك عفو ,,
وهذا النص اشتمل على توجيه من الله لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ولكل مؤمن للتحلي بثلاث ظواهر من السلوك الخلقي الحميد وهي :
أولا : أخذ العفو عن إساءة المسيء .
ثانيا : أمر المسيء بالعرف إن كان ممن يستجيب .
ثالثا : الإعراض عن المسيء إذا كان من الجاهلين الذين لا يستجيبون للأمر بالمعروف .
فالمرء منا يا إخوتي في هذه الحياة تتجاذبه امور شتى ويرى منها العجب العجاب يرى ما يفرحه ويرى ما يحزنه، يرى ما هو حق ويرى ما هو باطل وهو انما وجد في هذه الحياة لاعمار الارض وزراعة الخير فيها، فالارض ارض الله ونحن خلفاء فيها مطالبون بأن نعمرها بطاعته وشكره والاحسان الى خلقه.
وإن من شأن الانسان ان يسعى في اصلاح نفسه اولاً واصلاح غيره ثانياً حسب الامكان وقدر الاستطاعة بالرفق واللين بالتي هي احسن.
ولذا فإن الواحد منا ربما وجد جفوة من صديق له او حدة في القول من جاره أو من عابر سبيل فعليه أن يروض نفسه على خلق العفو والتسامح، ذلك الخلق العظيم الذي ندب اليه ديننا الحنيف، أوصى به الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
وامتدح الله الجنة واخبر انه اعدها لأناس من اعظم صفاتهم كظم الغيظ والعفو عن الناس {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.
والمرء مهما حاول الاعتدال في تعامله فلن يسلم من منغص او مكدر لصفو حياته ولو سلم من ذلك احد لسلم من اصدق الناس واعدلهم واكثرهم حلماً وعطفاً وشفقة محمد صلى الله عليه وسلم
فعن انس - رضي الله عنه - قال: «كنت امشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه اعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت الى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت اليه فضحك، ثم امر له بعطاء» رواه البخاري ومسلم
فانظروا إخواني وأخواتي إلى هذا الخلق منه صلى الله عليه وسلم وكيف قابل جفوة هذا الرجل رغم أن تعديه عليه لم يقتصر على القول بل سبقه بفعل، لا وأي فعل!! غلظة وشدة بأن أثرها على جسده _ صلى الله عليه وسلم_ ثم شدد الرجل في خطابه وخاطبه مخاطبة شخص عادي جداً بقوله: يا محمد مغفلاً الأدب مع الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم وكان ينبغي أن يقول: يا رسول الله أو عبارة نحوها،
ومع ذلك قبل صلى الله عليه وسلم تصرفه بصدر رحب وتعامل معه وفق حاله متمثلاً قوله تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فأين نحن من هذا الخلق.?!!
وهلا اقتدينا بهذا الهدي العظيم منه صلى الله عليه وسلم واستفدنا من هذه المدرسة النبوية التي عبقت بمكارم الاخلاق وصدق الله العظيم } وإنك لعلى خلق عظيم{
*************************************
فيا إخواني وأخواتي .. ألا تحبون أن يعفو الله عنكم ؟؟ إلا تحبون أن يعزكم الله ؟؟
أتحبون أن يتجاوز الله عنكم ؟
انه سبحانه عفو يحب أهل العفو .. فإن عفوتم عن الناس أحبكم الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى .. (( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال .. قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ (( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا , وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )) رواه مسلم
وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أيضا عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال : (( كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه : تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه )) رواه البخاري ومسلم
فالتسامح و العفو يا إخواني وأخواتي هي من أنبل الصفات على وجه الأرض
فما أحوجنا لها في هذه الأيام
كثيراً مانرى المشاكل تشتعل بين المسلمين وكثيراً مانرى خصاما وأحياناً قد يكون فراقاً بين صديقين
أو أخ وأخيه فأين هو التسامح الذي أوصانا به ربنا الكريم في كتابه :
((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))
-النور22-
وقوله تعالى
((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))
-فصلت34-
ولتكن لنا أسوة حسنة في رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما قال :
(من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل-
على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
- أبو داود والترمذي وابن ماجه -
أو عندما ذهب عليه الصلاة والسلام إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكن أهلها رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه
صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه صلى الله عليه وسلم هو ورفيقه زيد بن حارثة، ويقذفونهما
بالحجارة حتى سال الدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل جبريل -عليه السلام- ومعه ملك الجبال، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هدم الجبال على
هؤلاء المشركين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهم، وقال لملك الجبال:
(لا بل أرجو أن يُخْرِجُ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئًا)
- متفق عليه -
وعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصرًا، جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد،
والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصًا عما صنعوا به
وبأصحابه. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش، ما تظنون
أني فاعل بكم؟).
قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
- سيرة ابن هشام -
فما أجمل العفو وما أحبه لله ورسوله ..
فالعفو كالماء يظفئ نار الخلاف والنزاع وما أروع العفو عن هفوات الناس،
وغفران أخطائهم، فهذا يعد حسنة حقيقية، فالله سبحانه كبير فى غفرانه، عظيم فى عفوه وتسامحه.
وقد وصى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بالعفو عن الخدم أيضا .. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( جاء رجل على النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فقال : يا رسول الله ! كيف نعفو عن الخدم ؟ فصمت ! ثم أعاد عليه الكلام فصمت ! فلما كان في الثالثة قال : اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة )) رواه أبو داوود وصححه الألباني
قد يقول البعض منا يا إخواني وأخواتي إن هذا لا يستحق العفو ..!
فنقول لهم ..
نحن نتعامل يا إخواني وأخواتي مع الله ولا ننسى إننا نقدم أولا الخير لأنفسنا قبل أن يكون للناس ؛ ومن أكبر الأمثلة للعفو قصة سيدنا يوسف _ عليه السلام _ مع إخوته حينما عفا عنهم بقوله (( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم )) يوسف 92
وقد قال أبو بكر : سلو الله العفو والعافية والمعافاه
فالعفو : محو الذنوب ,, والعافية : أن يعافيه الله من سقم أو بلية ,, وأما المعافاة : فأن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك ,, أن يغنيك عنهم ويغنيهم عنك .. ويصرف أذاهم عنك ويصرف أذاك عنهم ..
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي : من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو , فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس .