نظرة تأملية إلى الغد تكفي ربما للشعور بالقلق، فالموارد تتناقص وفي أحسن الأحوال تتجدد بالقدر ذاته الذي لم يعد يكفي، يرافق ذلك تزايد في عدد السكان، ولكن ليست المشكلة في تزايد البشر وإنما هي في توزعهم بكثافات مرتفعة في أماكن جغرافية محددة هي التي تؤمن لهم فرصاً للعمل تعينهم بالحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة؛ دمشق، حلب، اللاذقية، وطرطوس. وليس خافياً أن دمشق هي المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان على صعيد سورية وربما المنطقة كلها ويجب ألاّ يكون خافياً على أحد ما لذلك من آثار خطيرة على موارد هذه المدينة- وتحديداً المياه- التي لم تعد تلبي احتياجات التنمية ولو بقدرها المتوسط الذي يستطيع تجديد الدم في شرايين فروع الاقتصاد كافة، وخاصةً أنه لا حياة بغير ماء!.
إن المطلوب لتحويل قلق اليوم بانتظار المستقبل إلى شيء من الاطمئنان هو استبدال نهج «ترك الشقا على من بقا» بنهج العمل والتنفيذ. وبما أن القضية ترتبط هنا بالموارد- التي لا يمكن للإنسان تجديدها ولو شق نفسه- فيجب الخروج من المربع الكلاسيكي للتفكير والتحرك نحو الحلول الجريئة القادرة على فتح الأفق ومنها حسب رأيي المتواضع: أولاً؛ تنمية المحافظات ذات الموارد الجيدة نسبياً بحيث يتم خلق فرص عمل تجتذب جزءاً من الكثافات السكانية سيئة التوزيع، وهذا يتم- على سبيل المثال- عبر إطلاق عملية بناء للمساكن التي ستحوي أجساد هؤلاء الناس، فمن المعروف أن تشغيل قطاع البناء هو أولى الخطوات على طريق تنمية قطاعات أخرى كثيرة. ثانياً؛ المباشرة- بالفعل وفوراً- بتطبيق إدارة كفؤة للموارد، ومثالها تقنين مياه الشرب وتوزيعها بشكل مدروس مغاير لما جرت عليه العادة ويلبي احتياجات السكان لماء الشفة من جهة، وتزويد المنازل بمياه الآبار- عبر خطوط التغذية التقليدية- بحيث يحصل السكان على حصصهم الكافية من مياه الغسيل والاستخدامات الأخرى من جهة ثانية. ثالثاً؛ المباشرة بتنفيذ مشاريع تحلية واستجرار المياه لسد حاجة المناطق ذات الموارد القليلة ريثما تتم تنمية المناطق ذات الموارد الجيدة والجيدة جداً- وهي معروفة. رابعاً؛ عدم الاكتفاء بالكلام وعرض حقائق الوضع المائي الراهنة والمتوقعة مستقبلاً على الناس لتوعيتهم بدورهم المهم في تخفيف الضغط على الموارد، ثم بعد أن تبدأ أعمال تنمية القطاع الإسكاني في المحافظات القادرة على استيعاب أعداد إضافية من السكان، يجب توعية المواطنين إلى ضرورة إعادة توزيع أنفسهم جغرافياً بحيث يحققون معاشهم ويحافظون على فرص أبنائهم بتأمين المعاش.
الحلول مترابطة وكثيرة، وكل الظن أن الاقتصاديين والخبراء السوريين قادرون على وضع استراتيجية عملية- علمية وقابلة للتنفيذ مباشرةً وتحقق تنمية في قطاعات الاقتصاد الحقيقي بشكل يتناسب مع توزع الموارد وإعادة توزيع السكان، ولكن يجب التنبيه إلى أن المماطلة وتجاهل المعطيات التي تملكها بعض الجهات الحكومية- وغيرها- سيكلف البلد أحمالاً لا تستطيع الوقوف طويلاً تحتها.. وبعد سنوات قليلة من الآن فقط؟!.