وجدت إحدى مُحللات أنماط عمل وسائل الإعلام الروسية، أيلين ميكييفيتش، من معهد تيري ستانفورد للسياسة العامة بجامعة ديوك، أن مستهلكي هذه الوسائل النموذجيين تكيّفوا بالكامل مع تلك التشوهات: فهي تقول إن القراء والمشاهدين الروس يتوقعون القليل من الدقّة والمصداقية، ويعتقدون بالمفهوم القائل ان "المعلومات ليست في حدّ ذاتها سلعة مستقرة." فمن وجهة النظر هذه، ينظر الروس إلى ما تنتجه الوسائل بمثابة تكاثر تعددي من التقارير المنحازة، وأنها تقدم فسيفساء من المعلومات يتوجب على المستهلكين انتقاء ما يرونه صادقاً ودقيقاً منها.
تخصص الحكومات المحلية حتى اليوم حصة هامة من موازناتها لوسائل الاعلام، وإذا كانت هذه المساعدات ليست كبيرة من الناحية المالية، إلا انها كافية للتسّبب بالصداع لدى وسائل الاعلام المستقلة المنافسة الذين عليهم الاستمرار في العمل بدون تعاون مالي أو سياسي من جانب الحكومات المحلية. وقد تجد هذه الوسائل المستقلة انه من الصعوبة بمكان المنافسة في كسب المعلنين ضد منافسين يتلقّون مساعدات، تمكّنهم من تغطية قسم من نفقاتهم من الأموال الحكومية وعرض أسعار أدنى على المعلنين.
أما الشركات الصحفية التي لم تصبح تابعة للسلطات السياسية فقد وقعت في قبضة الامبراطوريات المالية وامبراطوريات رجال الأعمال التي ظهرت في روسيا في التسعينات من القرن الماضي. فالقلة المسيطرة مالياً (الأوليغارك)، ذات السمعة السيئة، قامت بإدارة الوحدات الإعلامية بمثابة وسيلة دعائية لمصالح أخرى وليس كمؤسسات تزود معلومات وأخبارا ذات نوعية عالية. وأصبحت الوحدات الصحفية تخوض المعركة بين الأوليغارك والحكومة، كما أن "استقلاليتها" أصبحت مقيدة كونها تعتمد على رضا الجهات السياسية.
رغم ذلك، يقول مدراء الوسائل الروسية ان البلاد تخرج ببطء من أسوأ مرحلة في طورها الإنتقالي، وان وضعها سوف يصبح عما قريب مشابهاً لوضع بولندا أو ألمانيا الشرقية سابقاً. سوف يكون من الهام جداً إقامة اقتصاد أكثر ثباتاً، يترافق مع مقدرة جديدة على بناء قاعدة مالية من الإعلانات الخاصة بدلا من الإكراميات الحكومية أو إعانات الأوليغارك.
الفارق الرقمي، والتخوم الرقمية
مع إزدياد هاجس "الانقسام الرقمي" للعالم، من المفيد الإشارة إلى أن اعتماد التكنولوجيات العالية يتماشى عادة مع الزيادة المفرطة في إنتاج وسائل إعلام ذات تكنولوجيات أدنى. يقول بيبا نوريس في كتابه "الإنقسام الرقمي": المشاركة الأهلية، ضعف المعلومات، والشبكة العالمية للإنترنت": "إن البلدان الغنية بالمعلومات كالسويد، والولايات المتحدة، وأستراليا ليست في الطليعة بالنسبة للإنترنت وحسب، بل أيضاً بالنسبة لتوزيع وسائل الإعلام الأخرى مثل قراء الصحف، وأجهزة الراديو والتلفزيون، والكمبيوترات الشخصية، وأجهزة الهاتف الثابتة والخليوية. فلا يوجد فارق مهم بين استخدام وسائل الإعلام القديمة والجديدة؛ إن نسبة الناس المرتبطين بالإنترنت في كل بلد مرتبطة بقوة أكثر بمدى توزيع مزودي خدمات الإنترنت، وأجهزة الهاتف، والكمبيوترات الشخصية، لكنها مرتبطة أيضاً وبقوة بمدى توزيع أجهزة الراديو، والتلفزيون، وعدد القراء في كل بلد. وهذا يعني أن الشعوب التي تعيش في البلدان الأكثر فقراً والمستبعدة من تدفّق الإتصالات في العالم، مثل بوركينا فاسو، واليمن وفيتنام، منقطعة إلى حد كبير عن كل أشكال التقنيات المعلوماتية، بما في ذلك وسائل الإعلام الشعبية التقليدية كالإذاعة والصحف، وكذلك عن الوسائل الحديثة كالهاتف النقال والكمبيوترات الشخصية."
رغم ذلك، تساعد فرص استخدام الإنترنت بعض الصحفيين على تجنب الرقابة الحكومية المفروضة على الوسائل التقليدية. لقد حصل أحد أكثر التطورات الصحفية مدعاة للإهتمام في العالم، في ماليزيا، التي هي أحد نمور آسيا الاقتصادية حيث تفرض حكومة مهاتير قانوناً يمنع الأخبار "المؤذية عن قصد" ويسمح للحكومة بإقفال المطبوعات "الهدامة". كما أن على جميع المطبوعات الإخبارية هناك الحصول على ترخيص سنوي. ويحدّ قانون التحريض على الفتنة وقانون الأمن الداخلي أيضاً من حرية انتقاد السياسات الحكومية.
لكن الوسائل الجديدة للإعلام التي توفرها خدمات الإنترنت المختلفة تتمتع بوضع شديد الحماية في ماليزيا، التي ترى نفسها كقوة ناشئة ذات تكنولوجيا عالية وتريد تجنّب وقوع قطاع تكنولوجيا المعلومات الناشئ في شباك القيود التي تحيط بالوسائل الإخبارية الرئيسية العادية.
أطلق ستيفن غان، وهو صحفي رائد وجد نفسه أحياناً كثيرة في خصام مع الحكومة، في أواخر سنة 1999، صحيفة على الإنترنت سماها "ماليزياكيني" ونجح في إبقائها منذ ذلك التاريخ محببة لدى عدد قراء يتراوح بين 120,000 و150,000 قارئ. فبعد أن جاء بالمال التأسيسي من تحالف صحافة آسيا الجنوبية الشرقية، وجد غان أن "ماليزياكيني" قد اجتذبت 100,000 قارئ بعد 18 شهراً من بدء العمل فيها، أي بزيادة خمسة أضعاف عّما كان يتوقع جذبه. في هذه الأثناء، حصلت الجريدة على إعلانات خاصة غطّت 50 بالمئة من نفقات تشغيلها.
يتم تشكيل استراتيجية الأعمال في ماليزيا حسب مقياس الواقع الاقتصادي والسياسي، حيث توجد قاعدة إعلانية نشيطة، وحيث يحب المشاهدون القراءة على الإنترنت ما لا يجدوه في الوسائل العادية. من بين الأُمور الهامة جداً الإنفتاح الذي أوجدته السياسات المتضاربة للحكومة بالنسبة لكل من الوسائل القديمة والجديدة. يقول غان: "لقد وعدت الحكومة بأنها لن تراقب الإنترنت بينما تواصل رقابتها الشديدة على الوسائل التقليدية." ويضيف: "إننا نستغل هذه الفجوة". البلدان التي حققت التقدم الأسرع - كالإصلاحيين السريعين في أوروبا الوسطى والشرقية - جعلت من إنشاء وسائل إخبارية فعالة جزءاً مكملاً لقطاعها العام ولبرنامج عملها في الإصلاح الاقتصادي. ولم تكتف هذه البلدان بالإصرار على خصخصة هذه الوسائل وإخراجها من موازنات السلطات القومية والمناطقية، بل تابعت سياسات اقتصادية وتنظيمية تهدف إلى إنشاء بيئة يمكن فيها لمهنة الصحافة – ولنظام اقتصادي قائم على المعلومات – أن تستمر. وقد تعلمّت هذه البلدان أيضاً أن تعيش مع الإنتقادات التي تقول إن الوسائل الإخبارية مُوجّهة لا محالة ضد السلطات العامة، ومدركة أن هذه الانتقادات هي في حدّ ذاتها إحدى الطرق التي بواسطتها تصحّح الحكومات سياساتها وتصلح أخطاءها.