يراود حلم الحياة على المريخ معظم علماء الفضاء، بل والكثير من الناس؛ فهم يجدون فيه مهربًا من الواقع على أرضنا؛ فهل حلمت يوما أن تترك هذه الأرض وتسكن المريخ؟ من أجل تحقيق هذا الحلم يواصل العلماء إجراء أبحاث كثيرة وتجارب أكثر.
وفي سعيهم الدءوب لمعرفة مدى إمكانية إنشاء حياة للكائنات الأرضية على المريخ قام فريق من العلماء يرأسهم العالم فرانسيس شابل Francis H. Chapelle والعالم ديريك لفلي Derek R. Lovely بجامعة ماسوشستس بولاية إيداهو مع مطلع هذا العام 2002 باكتشاف ميكروبات ليست كأي من الكائنات الحية التي تحتاج لتحيا إلى أشعة الشمس والأوكسجين؛ ففي أعماق الأرض حيث الظلام الدامس ولا يمكن أن يحيا أي كائن توجد هذه الميكروبات التي تعيش على الكربون والهيدروجين، مكونة منهما غاز الميثان الذي تستمد منه طاقتها؛ لذا فهي تمثل نظامًا بيئيًّا متفردًا يتناسب مع الظروف القاسية للحياة على المريخ.
وكان العلماء قد تأكدوا من قبل بالدراسة الدقيقة للحياة الميكروبية على مدار ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من شدة مرونة الميكروبات؛ وهو ما يمكنها من الحياة في مختلف الظروف البيئية، وأكثرها قسوة سواء في درجات الحرارة شديدة التباين أو تحت ضغط جوي شديد لا يمكن لأي كائن آخر احتماله. وأثرت هذه الدراسات في تصور العلماء لشكل الحياة على المريخ؛ ففي عام 1996 أعلن فريق بحثي بجامعتي ستانفورد وكيبك مآكجيل عن وجود حفريات لميكروبات داخل الكويكبات التي سقطت على الأرض، والتي يؤكدون أنها من حزام الكويكبات الذي تدور حول المريخ؛ حيث إن الغازات المحتبسة في بعض صخورها تماثل تلك التي في الغلاف الجوي للكوكب. وهكذا أيقن العلماء أن مثل هذا النوع من الحياة لم يكن موجودًا ومنتشرًا على سطح الكوكب، لكنه غالبا كان تحت سطح الكوكب، أو ما زال موجوداً في المياه التي يحتمل وجودها عليه.
وفي الاكتشاف الجديد وجدت تلك الميكروبات التي لا تحتاج لأشعة الشمس ولا للأكسجين على بعد 600 قدم تحت الأرض في مياه غنية بالأملاح في جنوب شرق ولاية إيداهو، وهي ميكروبات أولية آكلة للهيدروجين تعرف بالـ Archea كانت منتشرة بالأرض في الماضي السحيق، عندما كان الهيدروجين موجودًا بكثرة، ولم تكن هناك مواد عضوية.
ويعتقد العلماء أنها من أول صور الحياة التي نشأت على الأرض.
وهذا المجتمع الميكروبي من مجموعة الـ Archea يدعى ميثانوجينز Metahnogens حيث ينتج غاز الـ Methane كمخلفات للعملية الأيضية Metabolism. ويعتقد فريق البحث أن مثل هذه المجموعة من الميكروبات من الممكن أن يقوم عليها نظام بيئي في المريخ؛ حيث ستكون الغذاء الأساسي لكائنات أخرى على الكوكب.
استنبات زراعة على المريخ
تخيل لكوكب المريخ بعد زراعته
وهذا ما اهتم به الدكتور إمر فريدمان Dr. Imre Friedmann المتخصص في علم الكائنات الدقيقة، الذي انضم إلى فريق علماء معهد "ناسا"؛ حيث عرض في مؤتمر عقد العام الماضي كيفية إيجاد زراعة مستدامة على المريخ؛ فسطح المريخ غير قابل للزراعة حيث تغطيه طبقة من الـ regolith ( وهو مزيج من الأتربة والصخور المفتتة) ولتحويل غطاء الـ regolith هذا إلى تربة صالحة للزراعة يجب إضافة مواد عضوية ليتغذى عليه النباتات الأخرى. ولعدم وجود نباتات على المريخ فإن الأجسام الميتة لمثل هذه الأنواع من البكتريا ستكون هي البداية لعمل تربة صالحة للزراعة، لكن المشكلة الأساسية هي أن المريخ الآن أكثر برودة من أن تنجح هذه التجربة عليه بكفاءة، لذا لن يتمكن العلماء من زراعة البكتريا إلا إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب وهذا ما جعل الدكتور فريدمان يقول: "إنها تجربة مثيرة، وليست مستحيلة، ولكني لا أعتقد أن أيًّا منا سوف يرى هذا الحدث".
المريخ يأبى أن يفصح عن كل أسراره
زيادة تجويفات ثلج ثاني أكسيد الكربون على المريخ
إلا أن هذا الكوكب الغامض الذي يحاول العلماء دائما حل ألغازه أعطى الأمل من جديد لنجاح تجربة فريدمان؛ فقد لاحظ العلماء أن درجة حرارة الكوكب بدأت في الارتفاع؛ حيث أوضحت الصور التي التقطتها سفينة الماسح الكوني (جلوبال سيرفيير) Global Surveyor في ديسمبر 2001 أن التجويفات على سطح الكوكب قد اتسعت اتساعا شديدا، وازدادت عمقا؛ وهو ما يؤكد حدوث تآكل في طبقات الثلج المغطية للسطح، والتي تتكون من ثاني أكسيد الكربون الصلب متوسط الكثافة، وهذه الطبقات تتبخر سريعا عند التدفئة؛ فلا تمر بمرحلة السائل، وإنما تتحول من الحالة الصلبة إلى الحالة البخارية، وحيث إن ثاني أكسيد الكربون غاز احتباس حراري قوي؛ فازدياد تآكل الصلب منه على السطح وانتقاله للغلاف الجوي يزيد من سُمك الغلاف الجوي للكوكب؛ وهو ما يمكنه من احتجاز كمية كبرى من أشعة الشمس، وبالتالي يصبح الكوكب أكثر دفئا.
وينسب العلماء حدوث هذا التغير في مناخ المريخ إلى عدة عوامل أهمها قلة سُمك الغلاف الجوي للمريخ؛ فغلافه الجوي يزن حوالي 1% فقط من الغلاف الجوي للأرض، وحيث إنه لا يوجد هناك محيطات على سطح المريخ تختزن حرارة الشمس؛ لذا فإنه يتأثر سريعا وبشدة بتسخين الشمس للجو. كما أن المدار البيضاوي للمريخ حول الشمس له تأثير كبير في تغيير درجة حرارة كل من سطح الكوكب وغلافه الجوي على مدار السنة المريخية؛ فعندما يكون المريخ قريبا من الشمس (صيف في النصف الجنوبي للكوكب) يستقبل الكوكب كمية كبيرة من أشعة الشمس تزيد بحوالي 40% عن تلك التي يستقبلها عندما يكون بعيدا عن الشمس (صيف في النصف الشمالي للكوكب)، فيؤدي هذا إلى زيادة درجة حرارة الجو في النصف الجنوبي للكوكب حوالي 35 درجة فهرنهايت عنها في النصف الشمالي؛ وهو ما يؤدي إلى هبوب رياح ترابية ترتفع فيها الأتربة عشرات الأميال، وتمتص تلك الأتربة جزءًا من أشعة الشمس، فترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي من 30 إلى 50 درجة فهرنهايت أخرى. هذا بالإضافة إلى التفاعلات الحيوية بين الأتربة وسحب الثلج المائي في الجو، التي تعمل بشكل غير مباشر على ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
ويستمر دأب العلماء لتكوين تخيل واقعي لحياة يحلمون باستنباتها على المريخ، إلا أن هذا الكوكب الغامض يأبى أن يفصح عن كل أسراره لهم؛