أوضحت دراسة حديثة أعدها الدكتور فهد عبد الكريم علي تركستاني أستاذ الكيمياء المشارك والمحكم البيئي في مجلس التعاون الخليجي أن البيئة من أول وأهم ضحايا الحروب القديمة والحديثة لما ينتج عنها من دمار كبير....
وأشارت الدراسة إلى أن الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب الخليج، وغيرها من الحروب شهدت آثارا سيئة مروعة كإشعال آبار النفط, وحرق الغابات والأراضي، وسكب وتسرب النفط في البحار ومصادر مياه الشرب، كما استخدمت تلك الحروب الأسلحة الكيماوية والنووية التكتيكية، وكان لها تأثير قاسٍ في البيئة بمكوناتها كافة من تربة وماء وهواء وطبقة أوزون، وفي صحة الإنسان, و آثارها السيئة ستستمر لتصيب الأجيال المتعاقبة، ما يعني دمارا كبيرا للبيئة من جو وبر وبحر وإنسان وحيوان والنبات.
ويضيف الدكتور تركستاني'' للأسف الشديد في ظل زيادة معدل التلوث في المملكة نتيجة زيادة عدد السكان والمساكن وعدد السيارات والمعدات التي تفرز من خلفها أطنان من العادم الضار, وانتشار المدن الصناعية في كثير من المناطق, زيادة عدد براميل النفط ..إلا أنه صاحبه انخفاض خطير جدا في معدل البساط الأخضر والمساحة المزروعة وعدد الأشجار والنخيل, وجفاف العديد من العيون والآبار, زيادة مساحة التصحر مؤكدا أن عدم التوازن البيئي هذا سيؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة الإنسان أولا والبيئة بشكل عام.
ويحذر خبراء ومتخصصون ومؤسسات دولية من الكارثة البيئية الخطيرة المستعصي إصلاحها في المنطقة الخليجية، والعراق على وجه الخصوص، الناتجة عن الأدوات والوسائل الحربية التي يحرمها القانون البيئي الدولي والمستخدمة في حرب الخليج من جانبي كل من قوات التحالف والعراق، ومن الخروقات القانونية التي قامت بها الحكومة العراقية وقوات التحالف والتي أدت إلى دمار بيئي كبير، مثل حرق وتدمير آبار النفط واستخدام الذخائر التي تحتوي على اليورانيوم المخصب، والتي تؤدي إلى انتشار غبار إشعاعي يلوث التربة والهواء، ويشكل تهديداً إشعاعياً خطيراً على صحة الإنسان والبيئة. وكذلك القصف المتعمد من الجهتين للسدود، ومصانع الطاقة النووية، وغيرها من المرافق التي تحتوي على مواد خطرة، والتي يمكن أن تتسرب نتيجة القصف.
ويلعب عادم السيارات دورا كبيرا في التلوث البيئي, حيث يؤكد الخبراء أن عملية احتراق البنزين أو الديزل التي تحدث في المحرك العادي والتي ينتج عنها حركة السيارة تتسبب في إنتاج عادم السيارة وتبخر الوقود الكربون, مضيفين أن عدم نجاح عملية الاحتراق بشكل صحيح ينتج عنه خروج عادم مضر بالصحة والبيئة لأنه يكون ممزوجا بثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين هيدروكربونات غير المحترقة, مشيرين إلى أهمية منع السيارات التي تفرز العادم بالذات داخل المدن.
كما أن أضرار التلوث المنبعث من المنتجات النفطية على صحة الإنسان لها أضرار مؤكد على صحة الإنسان.
في هذا الإطار، يقول الدكتور علي المؤمن استشاري انف وأذن وحنجرة في مستشفى الدمام المركزي: للمادة الدقائقية «particulat matter» مشكلة صحية كبيرة على الصحة العامة للإنسان, لأنها قابلة للاستنشاق، وتصل إلى أعماق الرئتين لصغر حجمها، وتأثيرها في وظائف الرئة.
وأثبتت الدراسات أن زيادة قصيرة في المادة الدقائقية العالقة بالجو تؤدي إلى زيادة عدد الوفيات وزيادة حالات أمراض القلب والصدر التي تدخل المستشفيات، بالإضافة إلى زيادة احتياج مرضى الحساسية والربو الشعبي إلى استخدام الأدوية وزيادة حالات انخفاض وظائف الرئة والالتهاب الشعبي المزمن, و أمراض الربو الشعبي، والكحة الناشفة، والصداع، وتهيّج العينين والأنف والحنجرة, ومما لوحظ ازدياد حساسية الأنف والجيوب الأنفية, واحتمال إصابتهم بالمضاعفات للأمراض الجينية والسرطان.
ويؤكد الدكتور المؤمن أن التعرض المستمر المتراكم لهذه المادة الدقائقية يؤدي إلى زيادة الأمراض عامة وانخفاض متوسط العمر المتوقع. وتستمر المادة الدقائقية عالقة بالجو مدة طويلة وتنتقل مسافات طويلة قد تصل إلى مئات الكيلومترات.
ويضيف الدكتور المؤمن التلوث الصناعي الضار سبب في حدوث سرطان الدم وأورام الغدد الليمفاوية، كما أنه يثبط نخاع العظام ويعوق نضج خلايا الدم, وأن أول أكسيد الكربون الموجود في العادم يؤثر على قدرة الدم في نقل الأكسجين ويعتبر ضارًّا جدا لمرضى القلب, ويضر الرئتين ويهيج العينين ويتسبب في صعوبة التنفس.
ويضيف: إن الهيدروكربونات تتسبب في حدوث السرطان.. والكثير من عوادم السيارات المستخدمة للديزل أيضا معروف عنها أنها تتسبب في حدوث السرطان.. وقد أوضحت دراسة حديثة أن التعرض المزمن لكميات عالية من الديزل من خلال العمل يؤدي إلى زيادة 40 في المائة في إمكانية حدوث سرطان الرئة. ويؤكد الدكتور المؤمن أن أغلب المراجعين هم من الذين يعانون أمراض حساسية الأنف والجيوب الأنفية والالتهاب المزمنة للحنجرة, وبما أنه توجد نسبة كبيرة في المنطقة مصابة بالربو الشعبي فالحالات تزداد سوءا بسبب التلوث الصناعي والنفطي ومشتقاته التي تزيد من الحالة المرضية ومضاعفتها لديهم.
وكشفت أحدث الدراسات عن تأثير التلوث النفطي والصناعي على العديد من وظائف المخ مثل التركيز والتناسق العضلي واللغة. كما أثبتت دراسات أخرى- أقيمت على الشباب- أن التأثير الضار للرصاص على النمو الإدراكي له تأثير مزمن يؤثر في القدرات الوظيفية والتقدم الأكاديمي للشاب, ويعتبر الأطفال الأكثر عرضة لهذه المادة الخطرة, وذلك بسبب فروق الوزن بينهم وبين الكبار، ولأن الأطفال يمتصون ويحتفظون داخل أجسادهم بكميات أكبر من الرصاص. ينتج عن ذلك دخول الرصاص إلى أجساد الأطفال بنسبة 35 مرة أكثر من الكبار، وإن لتلوث الهواء بمعدن الرصاص تأثيرا مباشرا في الإخصاب عند الإنسان. وقال علماء في إيطاليا إن التلوث الناتج من التلوث النفطي قد يؤثر على خصوبة الرجال من خلال تدمير الحيامن. وبعد دراسة 85 حالة تعمل في بوابات تحصيل الرسوم على الطرق الإيطالية السريعة اكتشف باحثون من جامعة نابولي في جنوب إيطاليا أن كفاءة الحيامن لديهم تقل عن شبان آخرين وعمال إيطاليين في منتصف العمر يعملون في المنطقة نفسها, وتوضح الدراسة إن التعرض المستمر للملوثات الناتجة عن التلوث يضعف من كفاءة الحيامن لدى الشبان والرجال في منتصف العمر.
وينتاب أهل المدن الصناعية كمدينة الجبيل والقريبة من مدن التكرير والصناعة كصفوى وابقيق ومدينة العيون الخوف من آثار التلوث والدخان والسحب السوداء التي تنتشر في سماء مدينتهم في ظل عدم التوضيح والإرشاد من قبل الجهات الخاصة لتطمين الأهالي عن الأسباب الحقيقية لهذه السحب الدخانية السوداء والروائح الكريهة الملوثة, والتي تسبب العديد من المشكلات الصحية للقاطنين في هذه المدن. ومن أمثلة الأمراض التي انتشرت عن التلوث البيئي: أمراض السرطان, وأمراض الرئة والربو, وأمراض سرطان الدم, وأمراض العيون, والأمراض الجلدية, والأنف والأذن والحنجرة.. ناهيك عن الأضرار التي تسببها مثل هذه الأدخنة على المناطق الزراعية والبحرية والثروة السمكية والحقول المحيطة بالمدينة.
وذكرت عالية الرويلي مشرفة الأدوية والعقاقير في مستشفى المملكة في الرياض، أن السعودية تستقبل سنوياً 3100 حالة لأمراض السرطان، مشيرةً إلى أنه على مدى 14 عاماً الماضية بلغ عدد المصابين نحو 20 ألف شخص بأمراض السرطان المختلفة. وأضافت أن المنطقة الشرقية تستقبل نحو 500 حالة سنوية فيما تصل إلى جدة نحو 600 حالة سنوية ومدينة الرياض نحو ألفي حالة سنويا، وأن تكاليف علاج بعض تلك الأمراض تصل أحياناً إلى نحو عشرة آلاف ريال (2.66 ألف دولار) في الشهر، وذلك لاستخدام المواد الكيميائية للمعالجة. وأوضحت الرويلي أنه بعد حرب الخليج الثانية ازدادت نسبة الإصابة بمرض سرطان الدم والمثانة والرحم بشكل ملحوظ، الأمر الذي يتطلب سرعة إيجاد الحلول المناسبة للحد من انتشار هذا المرض الذي يمثل تهديداً للمجتمع السعودي، وأوضحت أن نسبة الإصابة أصبحت تزداد سنوياً عن مثيلاتها في الأعوام الماضية.
وتعد المناطق الساحلية البحرية في المملكة و خاصة المنطقة الشرقية هي الأشد تأثرا من التلوث بين مدن المملكة نتيجة الرطوبة العالية, وكثافة المحركات, وكذلك المدن الصناعية, ويعتبر الخليج العربي هو الأكثر تلوثا على المستوى العالمي حيث تتفاعل الهيدروكربونات وأكاسيد النيتروجين مع ضوء الشمس فينتج عن تفاعلها ما يعرف بالأوزون والذي يعد تواجده في وطبقات الجو العليا حماية للأرض من أشعة الشمس الضارة, وان أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون الناتجين عن احتراق البنزين هما من أهم مسببات الاحتباس الحراري.
ويؤكد الدكتور تركستاني (معد الدراسة) أهمية الوعي البيئي والتوعية للمواطن والمقيم في الجانب البيئي, وأنه ينبغي جعل البيئة مادة رئيسية في المدارس وخاصة في المراحل الأولى لزرع حب البيئة والمحافظة على مظاهر البيئة في شخصية الطفل الصغير منذ بداية تعلمه وبشكل عملي من خلال المشاركة الفعالة, ويشير تركستاني إلى أن الدين الإسلامي اهتم كثيرا بالمحافظة على البيئة من خلال الاهتمام بالزراعة والاعتناء بالأرض والبحر, وتربية الحيوان, والعيش في مكان نظيف وآمن. وذلك حرصا على صحة وبقاء الإنسان والحيوان والنبات والابتعاد عن كل ما فيه ضرر, مضيفا أن هناك جهلا كبيرا لدى أغلب المواطنين والمقيمين بالثقافة البيئية التي تهم حياتنا و وجودنا نحن البشر.
وعن الدور الإعلامي في التوعية والتثقيف البيئي تأكد بعض الآراء أن هناك تقصيرا كبيرا من قبل الوزارات والهيئات المسؤولة عن حماية البيئة والصحة, والصحة العامة في بلادنا في نشر التوعية والثقافة البيئية من خلال الحملات الإعلامية الدورية, مشيرة إلى أنه يوجد تقصير في المتابعة والمراقبة لكل ما يدخل إلى البلاد من مواد وآليات تسهم في التلوث, وأنه ينبغي التشدد في تطبيق قانون المواصفات الخاصة لحماية البيئة من التلوث وعدم التساهل فيها لأنها تمس صحة كل كائن حي