لازلت أتذكر شاربه الكثيف،وعضلاته المفتولة،وهو يصول ويجول وسط زبائنه ،وقد استأثر بهم لوحده،بعد ان قضى على منافسيه.فكان يبيع كل ما حرم الله من خمر وقنب هندي وكيف بالمعنى الدارجي...فربت ثروته،وعلا شانه،فكان لا يفكر في خاتمة أمره،حتى جاءه وعد الله ،وسلط عليه نفرا من رجال الأمن ،فبعد عرض رجولة وخصام ومطاردة ،تم القبض على المروج الخطير،وسط حي الضعفاء،فجرى حديثه على كل لسان،الى أن حكم عليه بالسجن لسنين طوال من أجل المنسوب اليه :من قتل ومتاجرة في الممنوعات و...
قال قائل:لو أنه تاب ورجع عن غيه لعاش عيشة الأغنياء ،ولما طالته عاقبة سوء امره.
وقال آخر:لو انه بيض أمواله في مشاريع مشروعة لما آل الى ما نال.
وقال قائل:ما وقع له الا ما وقع للشاة والذئب.
فقال آخر :وكيف ذلك؟
فسرد القائل هذه القصة:
يحكى أن شاة شاردة قد تسلقت شجرة لترتع من أوراقها،وكانت تلك الشجرة تشرف على ضاية ماء صافية.فحدث ان قدم ذئب الى تلك الضاية ،فرأى ظل الشاة على صفحة الماء يتحرك ويمضغ ويتوقف ...فلم يتمالك نفسه حتى ارتمى في الماء وهو يسبح ويبحث عن الشاة فيه.وكلما اختفت الصورة على الماء كان يخرج الى البر لينتظر سكون الماء،فيرى الصورة وقد رسمت على صفحة الماء،فيعيد الكرة مثل ما وقع في أول الامر،تعددت المحاولات دون جدوى ،حتى اذا قرب موعد المغرب ،سمع نداء من اعلى الشجرة:
يا سيدي الذئب ،أراك قد أكثرت من السباحة في الماء ،فيا ليتني أقدرعلى العوم مثلك فأبرد جسدي الملتهب بحرارة الصوف.
الذئب:أأنت هناك يا طويلة الرجلين وأنا قد تعبت في البحث عنك،فهيا انزلي.
نزلت الشاة فقالت:لا تأكلني يا سيدي الذئب ،فاني ضامرة عجفاء ،لا أصلح للقضم فتعوقك عظامي،ولا أفيد في الشبع لرداءة لحمي.
الذئب :وماذا أفعل بك يا هيكل سلة القصب.
الشاة :أرى أن تأخذني لوجارك،فتأتيني بالعشب الخصب لأرتع فيه،فيسمن جسدي ،وينجلي صوفي،وتختفي عظامي للناظر.
الذئب :سأفعل ذلك وسنرى خطتك التسمينية.
ومنذ تلك اللحظة والذئب يأتيها بشتى أنواع الاعشاب،حتى سمنت الشاة ،فازداد حجمها،ودبت الحياة في جسدها،فكان ما يعكر صفوة حياتها الا سوء قدرها مع ذئبها.
وذات يوم فكرت و لخطة دبرت،فقصدت عجوزا مسنة،فشكتها امرها،وطلبت منها مخرجا لأمرها.
فناولتها العجوز جلد سلوقي لاحق مهيأ بأزرار،وألبستها اياه،لتعود الى وجار الذئب.
قدم الذئب وهو يحمل ربطة من العشب اليانع،اذ به يرى منظرا غير معتاد في ظلمة الوجار،فكان يقدم رجلا ويؤخر أخرى،حتى انقضت عليه الشاة في صفة السلوقي،فولى الذئب هاربا لا يلوي على شيء ،ولاينظر خلفه.
أحست الشاة بنشوة المطاردة والقوة فلم تفكر في فرصتها الذهبية للنجاة من براثن أنياب الذئب،بعد نجاح الحيلة.فكان كلما دخل الذئب أرضا الا وتعقبت أثره،حتى وصل الذئب الى أرض غنية بنبات السدر،فحام حول سدرة كبيرة فارتمى داخل فجوة بها،وهو يرد انفاسه لبلوغ الجهد منه أقصاه.فما كان من الشاة الا أن ارتمت معه بدورها،ليلتصق جلد السلوقي بأشواك السدر،فانجلت صورتها على حقيقتها للرائي.
فقال الذئب:أأنت هي التي محنتني وعذبتني و...
الشاة:كنت ألاعبك وأجربك يا سيدي الذئب فقط،فهل أنت قوي أم لا؟
فأمسكها الذئب من أذنها وهو يشير الى دمه وبوله و...على ممشاه وهو يقول لها:أهذا هو اللعب ،أهذا هو اللعب.
فافترسها شر افتراس.
فقال قائل:والله ماحدث لهذا الأثيم لا يزيد ولاينقص عما حدث لهذه الشاة بعدما جمع ثروة دون جهد او كل.
وتلك نهاية كل جبار متغطرس،فان فاته عقاب الآجلة لاقاه عذاب الآخرة.