سوف تكون الديون التي يخلفها الانكماش، وعمليات إنقاذ البنوك ضخمة بالنسبة لعدد كبير من الدول وتأتي الخسائر تماماً بينما يتجه مواليد طفرة المواليد لما بعد الحرب العالمية الثانية في الدول النامية إلى التقاعد. ويعني ذلك أن التمويلات الوطنية سوف تواجه في المستقبل أوقاتاً كئيبة
كان العقد المقبل سوف يصبح صعباً على الدوام. وبينما يغري التقاعد هذه الزيادة في أعداد متوسطي العمر من سكان كثير من الدول، فإن الحكومات كانت تواجه تحولاً سكانياً مكلفاً. ولا تعمل الأزمة الاقتصادية الراهنة إلا على جعل الأمور أشد سوءا.
وما إن يمر الانكماش، حتى تكون الدول بحاجة إلى العمل على سد عجوزاتها المالية دون تحريك مزيد من الانهيارات في الإنتاج. وسوف تكون كذلك بحاجة إلى خدمة الديون الوطنية المنفتحة. وقدر صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، أنه من بين دول مجموعة العشرين التي اجتمع زعماؤها في لندن الأسبوع الماضي، فإن الدول الصناعية سوف تكون قد زادت ديونها الوطنية بمعدل قريب من 25 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي في الفترة من 2007- 2014.
إن ذلك عبء ثقيل. غير أن تكلفة هذه الأزمة حتى عام 2050 لن تكون أكثر من 5 في المائة من الأثر المالي الذي تواجهه من تقدم أعمار سكانها. ويقول صندوق النقد الدولي، إنه: "على الرغم من التكاليف المالية المرتفعة للأزمة، فإن التهديد الرئيس الذي يواجه الملاءة المالية على المدى الطويل، لا يزال متمثلاً، على الأقل في البلدان المتقدمة، في الاتجاهات السكانية غير المواتية".
إن ذلك الأمر غير موات من وجهة نظر وزارة الخزانة . غير أن طول عمر بني البشر ليس أمراً سيئاً. على الدوام. وتموت أعداد أقل من الناس في عمر مبكر في الحوادث الصناعية، أو نتيجة للأمراض. وإذا استمروا في الحياة ليصبحوا من المعمرين، فإن المتقاعدين يعيشون على تقاعدهم، كما أن معدلات الولادة أصبحت متدنية في الغالب، الأمر الذي يترك عدداً أقل من الأطفال للاعتناء بآبائهم وأمهاتهم من كبار السن، وكذلك قوة عمل أصغر دافعة للضرائب التي تدعمهم كذلك.
يميل المسؤولون في عدد كبير من البلدان إلى التحدث حول المشكلة بطريقة تخفي فوريتها، ويقولون إن أثر التقدم في السن على العالم خلال أربعة عقود يزداد النقاش حوله بين الناس بأكثر من أثر ووزن المشكلة خلال عشر سنوات. غير أنه يمكن أن يكون للظاهرة السكانية أثر مهم في المجتمع خلال فترة زمنية قصيرة.
تم الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية في معظم العالم المتقدم، بقفزة في عدد المواليد، أو ما يطلق عليه تعبير "طفرة المواليد". وبدأ الشعور المفاجئ بحدة تلك الزيادة الآن، وهي التي بدأت قبل فترة طويلة، بينما يتساقط العمال من أسواق العمل بأعداد كبرى، ويبدأون المطالبة بالتقاعد.
تتوقع الحكومة في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، أن التكاليف الإضافية السنوية التي يفرضها التقدم في السن في السنوات العشر المقبلة وحدها، سوف تزداد لتصل إلى 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العامين 2017- 2018. وتلك زيادة في الإنفاق معادلة لخدمة الزيادة في عبء الديون الوطنية التي ستبلغ حوالي 37 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لحسابات "فاينانشال تايمز". ويتجاوز ذلك الارتفاع بنسبة 29 في المائة الذي يتوقع أن تحدثه الأزمة المالية، والتراجع الاقتصادي.
إن فرنسا، وألمانيا، هما بين البلدان الأخرى المتوقع أن تشهد تدهوراً مفاجئاً في التكاليف السكانية في العقد المقبل، بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي. ووفقاً لبيانات إدارة السكان في الأمم المتحدة، فإن عدد البالغين العاملين مقابل كل شخص فوق سن الخامسة والستين في الاقتصادات المتقدمة، سوف يتراجع خلال السنوات العشر المقبلة بقدر مجموع تراجعه خلال السنوات الثلاثين الماضية. وسوف يتراجع عدد العاملين مقابل المتقاعدين من 4.3 عامل إلى 3.4 عاملاً خلال العقد المقبل وحده.
إن بعض البلدان على هذا الطريق بالفعل. وسوف يستغرق الأوروبيون 20 عاماً حتى يصبحوا بمعدلات التقدم العمري التي تشهدها اليابان في الوقت الراهن. وأما بقية آسيا، فهي في سباق لتصبح غنية قبل أن يصبح سكانها أكبر من أن يعملوا. وتحتل كوريا الجنوبية الآن مرتبة مريحة، حيث لديها ستة أشخاص يعملون مقابل كل متقاعد. غير أنه بسبب انهيار معدل المواليد فيها، فإنها سوف تصبح من أكثر الدول من حيث اللون الرمادي لشعر سكانها بحلول عام 2050.
بالنسبة إلى المجتمعات، وإن كان ذلك لا يتم دائماً بالنسبة للأفراد، فإن من المحتمل أن تستطيع التعويض، وتخفيف آثار كثير من مشكلات التقدم في السن. وتتغير قوانين التشغيل لاستبقاء العاملين لفترات أطول في أعمالهم. ومع ذلك، فإن الانفجار الأحدث في الدين العام الذي فيه ما يكفي من الصعوبات بحد ذاته، يعمل على تفاقم أثر التقدم في السن الذي كان مكلفاً على الدوام. ولكن وجودهما معاً كفيل بأن يجعل العقد المقبل أشد قسوة على دافعي الضرائب.
الناظر صلاح الدين
14:17 - اليوم