من المتوقع أن يحث الرئيس باراك أوباما الزعماء على زيادة الإنفاق الحكومي من أجل إنقاذ اقتصاد العالم. ومن المتوقع أن تركز البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إصلاح أنظمتها المالية المتساهلة. لكن بالنسبة للبلدان الآسيوية، الموضوع الرئيسي في أجندتها هو سلامة موجوداتها المقومة بالدولار، خاصة أنها تتوقع انخفاض قيمة الدولار بسبب زيادة الدين السيادي للولايات المتحدة.
معظم الإنفاق التحفيزي الوارد في خطط أوباما مخصص للبرامج الاجتماعية وليس لتعزيز النمو، الأمر الذي يمكن أن يفاقم مشكلة الإفراط في الإنفاق في أمريكا ويؤخر تحقيق الانتعاش المستدام. وعلى رأس هذه المشكلة، فإن التحفيز المالي غير المسبوق، في ظل تحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لضخ الأموال في أسواق الائتمان، يحتوي على بذور التدمير الذاتي. ذلك أن الولايات المتحدة تجازف بإنهاء دور الدولار عملة احتياطية، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن على الولايات المتحدة دين قدره 10000 مليار دولار على شكل سندات خزينة، ومبالغ طائلة أخرى على شكل مطلوبات ناتجة عن تكاليف إنقاذ قطاعات الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، والمؤسسات المالية.
إن توفير دولار مستقر ويعتمد عليه وذي صدقية ربما يأتي في أهميته بعد المصالح الأمريكية قصيرة المدى، الأمر الذي يشكل خطراً على الاستقرار النقدي العالمي. وفي المدى الطويل ربما تحاول أمريكا حل مشكلة الفوضى الاقتصادية التي تمر بها، عبر تخفيض قيمة الدولار في أحسن الأحوال، وبالتخلف عن السداد في أسوئها. وهناك قول صيني مأثور يعبر عن هذه الحال: "شرْب سائل سام يطفئ الظمأ". ويشير التاريخ إلى أمثلة مثل انهيار نظام بريتون وودز في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ذلك أن الأجانب الحاملين لالتزامات الولايات المتحدة المقومة بالدولار هم الذين سيدفعون الثمن في النهاية.
وحذر محللون من مخاطر فقاعة سندات الخزينة الأمريكية التي تطورت في أواخر عام 2008. ورغم أن التأمين ضد التخلف عن سداد الدين السيادي النائج من مخاطر الائتمان، إلا أن ذلك لا يستطيع حماية القيمة الحقيقية للسندات المقومة بالدولار. وإذا انفجرت هذه الفقاعة، فستكون بلدان منطقة شرقي آسيا هي الضحية. ذلك أن اقتصادات هذه البلدان تحمل 1600 مليار دولار من الدين السيادي للولايات المتحدة، أي 25 في المائة من مجمل الدين. وإذا أدخلنا الممتلكات المباشرة، ربما يصل حمل الآسيويون إلى نصف سندات الخزينة العامة الحالية. ووفقاً لبعض التقديرات، تحمل الصين بصورة مباشرة وغير مباشرة ما تزيد قيمته على 1200 مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية. وإذا تعرض الدولار للانهيار، فسيكون لانهياره عواقب مدمرة على الثروة التي كسبها الآسيويون بشق الأنفس وسوف تنتهي العولمة الاقتصادية.
لا يوجد أي نظام مالي عالمي آخر يقدم بديلاً معقولاً. لكننا نستطيع أن نجعل قوة العملة الاحتياطية الرئيسية أكثر مسؤولية عبر إيجاد أداة تساعد في إدارة الأزمة العالمية.
وتقوم الفكرة الأساسية على تحويل المدخرات الآسيوية، خاصة الصينية، إلى استثمارات عملية حقيقية، بدلاً عن السماح باستخدامها لدعم إفراط الولايات المتحدة في الإنفاق. ذلك أنه بينما تعتبر السندات التي تدر دخلاً ثابتاً عرضة للتأثر بأي هبوط في قيمة الدولار، يعد تملك حصص في الشركات التي تتمتع بوضع سليم وفي مشاريع البنية التحتية عرضة لخطر أقل من خطر انهيار العملة. لكن الآسيويين لا يرغبون في حمل خطر هذا الاستثمار بسبب الاضطراب الذي تشهده السوق، وبسبب افتقارهم إلى المعرفة بالأمور الثقافية، والقانونية، والتنظيمية في الشركات الأمريكية. لكن إذا تم إيجاد برنامج ضمان، فيمكن أن يكون المدخرون الآسيويون على استعداد للاستثمار مباشرة في الصناعات الأمريكية المتعطشة لرأس المال.
أولاً، تستطيع البلدان الآسيوية أن تتفاوض مع حكومة الولايات المتحدة على إيجاد تسهيلات خاصة للإنقاذ عند حدوث الأزمات. ويمكن استخدام هذه التسهيلات إلى جانب الجهود الاتحادية التي تبذلها الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في القطاع المصرفي، والاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي تستهلك قدراً كبيراً من رأس المال، كإنشاء خط للقطارات السريعة بين بوسطن وواشنطن دي سي.
ثانياً، يمكن للآسيويين أن يضعوا نسبة من سندات الخزينة التي يحملونها تحت مظلة تسهيلات الإنقاذ الخاصة بالأزمات، لتحويل الدين السيادي إلى استثمار في الأسهم. وأية أموال خاصة بهذه التسهيلات يتم تخصيصها للاستثمار الصناعي ستظل مملوكة ومدارة من قبل بلدانها الأصلية. وفي المقابل، يحمل الآسيويون أسهم حصص أقلية تكون قابلة للتحويل إلى سندات على غرار أسهم الأفضلية.
ثالثاً، تقوم الولايات المتحدة بدور الضامن، عبر تقديم برنامج ضمان سيادي لتأمين رأسمال الاستثمار ضد احتمال تخلف الشركات، أو المشاريع المستهدفة عن السداد.
رابعاً، يمكن لبنك الاحتياطي الفبدرالي أن يؤسس حساباً خاصاً مع الحكومة الأمريكية لتأمين السيولة التي تحتاجها تسهيلات الإنقاذ عند الأزمات، وذلك لتحويل الدين السيادي إلى استثمار صناعي في الولايات المتحدة.
من شأن هذه التسهيلات أن تقلل من تخوف الآسيويين بشأن التخلف المطلق عن سداد الديون السيادية جراء انهيار الدولار. وتوجيه الأموال للاستثمار في الأنشطة لن يكلف الولايات المتحدة إلا قليلاً وسيساعدها. أما السياسات الكينزية التقليدية – التوسع المالي والنقدي على الصعيد الوطني – فلن تحل المشكلة بل تزيدها سوءاً.
الكاتب أستاذ للاقتصاد في مدرسة السياسات العامة والإدارة في جامعة تسينغهوا في بكين.