فضيلة الشيخ حفظكم الله..أرجو أن يتسع صدركم ووقتكم لقراءة رسالتي هذه..
أبلغ من العمر 40سنة وغير متزوجة، والدي متوفى منذ أن كنا أطفال نحن خمسة ذكور وأربع بنات وأمي.. وقد تربينا في وسط يهتم بالمظاهر والسفر للخارج والسفور والأغاني والمركبات الفاخرة.. ولم نجد من يوجهنا ويغرس فينا الدين الصحيح في تلك الفترة فنشئنا نشأة ضعيفة دينيا.. وقد امتدت فترة الغفلة بي إلى أن بلغ عمري 26 سنة وعندها أفقت منها، وفي تلك الفترة كنت قد أنهيت دراسة البكالوريوس بتخصص أصول الدين والعقيدة، وعندها بدأ الصراع بيني وبين أفراد أسرتي، وشعرت بالحقد نحو والدي في تلك الفترة كيف تركونا نعيش هكذا.. وكيف لو أدرك أحد منا الموت ونحن على تلك الغفلة.. فرفضت السفر للخارج والتزمت الحجاب الكامل وطهرت البيت من التماثيل والصور المعلقة، وتخلصت من كل أشرطت الأغاني وقطعت علاقتي بكثير من أصحاب السوء..
وقد تأثرت نفسيا في تلك الفترة فأصبحت أتمنى أن تعود أيام الطفولة لأبدأ فترة شبابي مرة ثانية وقد تأسست على تقوى من الله.. وقد تعرضت لإنهيار عصبي كما وصفه الطبيب فكنت أشعر بحزن كبير خشية أني تأخرت في توبتي من المعاصي والغفلة.. وأن الموت قريب ولن أمهل للتوبة.. ومع ذلك أخذ أهلي مني موقف الجفاء وأجبروني على السفر للخارج (لم يعطوني مصروف للبقاء) فكنت أسافر ودموعي لا تفارق عيني لشدة الألم وكنت لا أخرج من الفندق إلا إلى المطار للعودة للبلاد،، وعندما عدت لبلادي بحثت عن عمل وتوظفت وأصبح لدي دخل خاص، فتحديتهم ولم أسافر معهم وبقيت في البيت، وتعاقدت مع مدرسة تحفظني القرآن الكريم وبفضل الله أتممت حفظه.. وظل الحال على ما هو عليه حتى قُسم ميراث والدي فأخذت نصيبي وحقق الله لي حلم كان يراودني فمكنني من شراء شقة بجانب الحرم في مكة، وتقدمت بطلب بعثة دراسية للإلتحاق بجامعة أم القرى فعارضني الجميع، وسألوني من سيذهب معك وكيف ستعيشين هناك (علما بأنهم يسافرون لأوربا بدون محرم أخوتي الذكور كل واحد منهم في بلد وأمي وأخواتي في بلد آخر) والححت بالدعاء على الله حتى غضوا النظر عني، وكنت أشعر بأني مهاجرة إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالتحقت بالبعثة وكان أحد أخوتي الذكور يوصلني إلى مكة ثم يأتي في نهاية الفصل الدراسي يأخذني للدوحة، وأثناء إقامتي كان معي سائقي وخادمتين، علما بأني في مرحلة الماجستير دخلت السكن الجامعي، ولكن في مرحلة الدكتوراه نزلت شقتي.. وقد أمضيت في مكة قرابة التسع سنوات وقد تغيرت نفسي كثيرا وأصبحت همتي الإيمانية عالية.. وفي هذه السنة بفضل الله تخرجت.. ويا فضيلة الشيخ أعتذر عن الإطالة ولكني أردت أن تعرف ظروفي وأن توجهني للخير.
أنصحني يا شيخ، وأدعو لي بالثبات وحسن الخاتمة وجزاك الله خير الجزاء.
سؤالي:
- هل مرافقة أخي لي في السفر وإيصالي حيث أسكن في مكة ثم العودة لأخذي مرة أخرى تخرجني من معصية السفر بلا محرم؟
- أريد السفر إلى مكة لقضاء شهر رمضان وأهلي لا يريدون بحجة الزحام، فهل لي أن يوصلني أحد أخوتي ثم يعود ليأخذني؟
- أصبحت بعد عودتي من مكة أنكر على أهلي الكثير من الأمور وأتألم لرؤيتها، فمثلا أخواتي هداهن الله أقنعوا والدتي بأن تلبس العباءة التي على الكتف بعد أن كانت ترتدي العباءة الفضفاضة على الرأس.
- كيف أحافظ على الهمة العالية في إنكار المنكر؟ أخشى من تكرار رؤية المخالفات في البيت يألفها قلبي.
الجواب:
نسأل الله - عز وجل - لك الثبات، فإن من أعظم نعم الله على عباده أن يهتدوا لدينه أو يستقيموا على طاعته، نسأل الله - عز وجل - أن يثبت قلبك ويلقي السكينة على فؤادك.
وأما بقاؤك في مكة دون محرم ومجيء أخيك على هذه الصفة فهذا هو التصرف الصحيح، حيث محل التكليف بالمحرمية هو حال السفر فقط، أما حال الإقامة في مكة فيكفي من معك من الخدم، ولا يلزم أن يكون معك في مكة محرم.
وكذلك الحال في ذهابك إلى مكة للعمرة ؛ مادام أن أخاك يقوم بالسفر بك ذهاباً وإياباً، ولكن أنصح نصيحة بما يتعلق بالمكث في مكة للمرأة ؛ بأن تحرص على الذهاب إلى الصلاة مبكراً وألا تنصرف منه إلا متأخرة؛ وذلك لشدة الزحام مما قد يؤدي إلى احتكاك المرأة بالرجال؛ فإن لم تستطع على هذا كلياً فتكتفي بالعمرة، وأما إذا خرجت متأخرة في بعض الأيام فتبقى في شقتها حتى تخرج في مرة أخرى في قوت مبكر.
وأما تعاملك مع أهلك في منكراتهم، فأرى أن تنطلقي في ذلك، وأن تكتفين بالنصح والإرشاد بين وقت وأخر، وأن يبنى هذا النصح والإرشاد على قاعدة متينة من العلاقات الحسنة، والتلطف مع أعضاء الأسرة، وكذلك الزيارة والاتصالات والهدية مما يلين القلوب ويحبب النفوس.
وتحافظين على حرصك على الإنكار باتخاذ صحبة صالحة، ومداومة على ذكر الله - عز وجل -، وقراءة سير الأنبياء وقصص الصالحين والصالحات في الثبات على دين الله - سبحانه -، فهذا له أثره العظيم على يقين الفؤاد وثبات النفس.
نسأل الله - عز وجل - أن يثبتك ويسدد خطاك. والله أعلم.