والحقيقة ان هناك أبحاثا كثيرة تتهم هذه المادة المسماة " بالدوبامين" بأنها السبب الرئيس الذي يشعر من خلاله المدمن بالانبساط والسرور والرضا حين يتناول جرعة المخدر وذلك من خلال عملها على " مراكز الرضا "Reward Pathways بالمخ وهي التي تسبب حالة الاعتماد الكلي التي تؤدي الى الادمان في كل الأمثلة التي سبق ذكرها .
وتشترك كل هذه المواد في أنها ترفع نسبة " الدوبامين" في مناطق معينة بالمخ من خلال أساليب مختلفة وقد يتعجب البعض أن إدمان الشيكولاته والقمار والجنس يرجعه العلماء أيضا لزيادة نسبة " الدوبامين " في المخ الذي يخلق نوعا من الادمان والإحساس بالذة والسرور والنشوة .
وعل الكثيرين منا لا يعرفون أن التدخين يؤثر على المناطق التي تفرز الدوبامين في المخ بنفس الكيفية التي يؤثر بها عليها الكوكايين الا أن تأثير الكوكايين أسرع وأكثر حدة .
وكما أن مادة السيروتونين في المخ مقترنة بمشاعر الحزن والاكتئاب حتى أن معظم مضادات الاكتئاب تعمل على هذه المادة من الموصلات العصبية فإننا نجد مادة " الدوبامين" في المخ مقترنة بأحاسيس السرور والانطلاق والفرح والرضا .
وقد لا يعلم الكثيرون أن هذه المادة ترتفع نسبة إفرازها في المخ أيضا من خلال قبلة حانية أو حضن دافئ أو كلمة مدح وتشجيع ويوضح ذلك أن أهمية ودور حنان الأهل ومساندتهم للمدمن لكي يقلع عن إدمانه وعندما يتوقف هذا المدمن عن التعاطي فانه يعاني من اختلال حاد وربما بعض إعراض المرضية التي يطلق عليها أعراض الانسحاب وتختلف من مادة الى أخرى وهو ما يجعل هذا المدمن في حاجة الى العلاج والأشراف الطبي حتى لا يصاب بضرر بالغ قد يؤثر على حياته .
ومع تقدم العلوم الحديثة واكتشاف خبايا كثيرة عن كيفية عمل العقل وكيمياء المخ وما يحتويه من موصلات عصبية ومناعية والتكنولوجيا الحديثة التي مكنتنا من تصوير المخ وهو يفكر ويتألم ويكتئب ويدمن وغير ذلك من الحالات النفسية المختلفة من خلال جهاز PET فليس بغريب أن نجد المحاولات العديدة التي تحاول التصدي للإدمان وعلاجه من خلال وسائل مختلفة بحيث تساعد المريض على اجتياز فترة الانسحاب ..والأعراض دون حدوث ضرر بالغ وتساعد المخ على استعادة إفراز المواد والموصلات العصبية الهامة لكي يعود المدمن الى المزاج والسلوك الطبيعي دون الحاجة الى تعاطي المخدر مرة أخرى
وعلى الرغم من وجود الكثير من الوسائل الطبية التي تساعد المدمن على الشفاء من إدمانه ألا أنه ليس هناك حتى الآن دواء محدد يجعل المدمن يقلع عن إدمانه ولعل ذلك ما جعل فريقا من العلماء بقيادة الدكتور/ دونالد لاندري في كلية الطب بجامعة كولومبيا يحاول الوصول الى وسيلة لتحفيز الجهاز المناعي لكي يفرز أجساما مضادة للمادة التي تسبب الادمان كالكوكايين مثلا بحيث تهاجمها وتكسرها بمجرد دخولها الى الدم وقبل أن تصل الى المخ وتحدث ما يمكن أن تحدثه من تأثير على خلايا المخ والموصلات العصبية مثل الدوبامين .
وكل مدمن لم يبدأ مدمنا أبدا ولكنه دخل من باب التجربة أو التقليد أو التباهي ظنا منه أنه من القوة والتحكم بما يجعله يتوقف وقتما يشاء وهذا هو المدخل الشيطاني الدائم للإنسان بمساعدة النفس الأمارة بالسوء فلا يمكن ان يتخيل الطفل البالغ من العمر عشر سنوات أنه سوف يصبح مدمنا وسوف تحل به كل هذه الكوارث الناتجة وهو يمسك بأول سيجارة لكي يقلد والده أو تقليد والدتها أو أحد نجوم السينما أو غيرهم أو ليثبت لأصدقاء السوء أنه أصبح رجلا ناضجا .
ولذلك نجد بلاغة القرآن الكريم حين يتحدث عن المحارم التي يجب ان ينتهي الانسان عن فعلها ويزيلها بقوله " تلك حدود الله فر تقربوها " وحين يتحدث عن الأشياء التي تؤدي الى الادمان فانه يقول " إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " أي ليس بكاف ألا تفعله ولكن يجب أن تبتعد عن كل ما بقربك منه لأن النفس الأمارة بالسوء قد تجد في هذا مدخلا أو نقطة ضعف لديك تسلمك بعدها الى سلطان الادمان حيث تتولى المادة المسببة للإدمان قيادتك بعد ذلك دون الحاجة الى النفس الأمارة بالسوء أو الى الشيطان .
ولكن هل يعد الادمان نوعا من الخبائث ؟ والإجابة عن هذا السؤال في قوله تعالى " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " هذه هي الرسالة التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قبله كل الرسل ليحل كل ما هو طيب بأمر ربه ويحرم كل ما هو خبيث وكل ما يؤدي الى هلاك الانسان وبلاء جسده وصحته انما يعد من الخبائث لان فيه جورا على حق الجسد الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم " لبدنك عليك حق" . ولان الخالق عز وجل خلق الانسان في أحسن تقويم حين قال " لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم " ولأنه سبحانه وتعالى هو صانع الصنعة فانه وضع لنا قوانين الصيانة الإلهية في : افعل ولا تفعل لكي تظل صنعته الإلهية في أحسن صورة كما ينبغي لها أن تبقي وحين ذكر المولى عز وجل المحرمات لم يذكر لنا بالضرورة السبب في تحريمها ولكنه وضع لنا إطارا عاما وأسسا لتحديد كل ما يمكن أن يستجد في حياتنا ان كان حراما أم حلالا ، من خلال مبادئ عامة فقال عز وجل من قائل : " ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة " وقال أيضا " ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ".
وهناك المبدأ الديني المعروف الذي نحكم من خلاله على أي شيء من منطلق " لا ضرر ولا ضرار " أذن فكل ما يؤدي الى الأضرار بالجسم البشري والعقل الذي ميز به الله الانسان عن سائر مخلوقاته وجعله خليفته في الأرض إنما يعد من الخبائث وبالتالي من المحرمات .
وأعتقد أن حجر الزاوية في الأيمان هو استخدام العقل الذي يمكن من خلاله أن تصل الى قمة الأيمان ثم الإرادة التي تجعلك تتغلب على نفسك الأمارة بالسوء لكي تحول ما أنت مقتنع به من فكر الى عمل وسوف نجد هذا جليا واضحا في كل آيات القرآن التي تتحدث عن الأيمان وتقرنه دائما بالعمل " الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فالاقتناع وحده لا يكفي والنيات الحسنة لا يكون لها قيمة ان لم يصاحبها عمل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لو أحسنوا النية لأحسنوا العمل"