تفسير سورة الفاتحة للنورسي
--------------------------------------------------------------------------------
خلاصة مختصرة لسورة "الفاتحة " للشيخ سعيد النورسي الكردي الآية الأولى
من درس واحد فقط القي في المدرسة اليوسفية الثالثة في فترة قصيرة جداً اثناء نقله من التجريد والسجن الانفرادي الى الردهة العامة ومعاشرة الاخرين.
الكلمة الاولى : وهي (الحمدلله)
ان اشارة في منتهى الاختصار الى حجتها الايمانية هي :
ان مبعث الحمد والشكر في الكون؛ هو الآلاء والنعم التي تغدق قصدا ً ولاسيما إرسال اللبن الخالص السائغ للشاربين من بين فرث ودم للصغار والاطفال العاجزين، والاحسانات والهدايا الاختيارية، والاكرامات والضيافات الرحيمة التي غطت سطح الارض برمته، بل غمرت الكون كله، وان ما يقدم لها من اثمان وقدر لقيمتها هي قول: "بسم الله" بدءاً ثم "الحمدلله" ختاماً؛ وبينهما الاحساس بالانعام من خلال النعمة نفسها ثم البلوغ منه الى معرفة الرب الجليل. فانظر الى نفسك بالذات والى معدتك والى حواسك ؛ كم هي محتاجة الى أمور كثيرة ونعم وفيرة! وكم تطلب الارزاق واللذائذ والاذواق بأثمان الحمد والشكر! ابصر هذا وقس على نفسك كل ذي حياة.
وهكذا فإن الحمد غير المتناهي المنطلق بألسنة الاحوال والاقوال؛ إزاء هذه الآلاء الشاملة؛ يبين كالشمس الساطعة ربوبية عامة وموجودية معبود محمود ومنعم رحيم.
الكلمة الثانية : وهي (رب العالمين)
ان اشارة مختصرة جداً الى ما فيها من حجة هي :
إننا نشاهد بأبصارنا ان في هذا الكون الوف العوالم والاكوان الصغيرة، بل ملايين منها، واغلبها متداخل بعضها في البعض؛ وبرغم ان ادارة كل منها؛ وشرائط تدبير شؤونها متباينة، فانها تدار في منتهى التربية والتدبير والادارة، فالكون كله صحيفة مبسوطة امام نظره جل وعلا في كل آن، وجميع العوالم تكتب كسطر بقلم قدرته وقدره، وتُجدد وتُغير.فتنبعث شهادات كلية وجزئية وبعدد الذرات والموجودات الحاصلة من تركبها، وفي كل لحظة وآن، على وجوب وجود ووحدانية رب العالمين الذي يدير هذه الملايين من العوالم والكائنات السيالة بربوبية مطلقة ذات علم وحكمة لانهاية لهما وذات عناية ورحمة وسعتا كل شئ.
ان من لايصدق بربوبية جليلة تربي وتدبر الامور؛ إبتداءً من مزرعة الذرات الى المنظومة الشمسية والى دائرة درب التبانة؛ ومن حجيرة في الجسم الى مخزن الارض والى الكون كله، تربيها وتدبر شؤونها بالقانون نفسه وبالربوبية نفسها وبالحكمة عينها، ولايستشعر بها ولايدركها ولايشاهدها، يجعل نفسه بلاشك أهلاً لعذاب خالد ويسلب عنه الاشفاق والرحمة عليه