بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره
(ثم قال تعالى " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله " أي أخلص العمل لربه عز وجل فعمل إيمانا واحتسابا " وهو محسن " أي اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما أي يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون متابعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة وباطنه بالإخلاص فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد فمتى فقد الإخلاص كان منافقا وهم الذين يراءون الناس ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين " الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم " الآية. ولهذا قال تعالى " واتبع ملة إبراهيم حنيفا" وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة كما قال تعالى " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي " الآية وقال تعالى " ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " والحنيف هو المائل عن الشرك قصدا أي تاركا له عن بصيرة ومقبل على الحق بكليته لا يصده عنه صاد ولا يرده عنه راد وقوله " واتخذ الله إبراهيم خليلا " وهذا من باب الترغيب في اتباعه لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه كما وصفه به في قوله( وإبراهيم الذي وفى) قال كثير من علماء السلف أي قام بجميع ما أمر به وفي كل مقام من مقامات العبادة فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ولا كبير عن صغير وقال تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )الآية وقال تعالى( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) الآية والآية بعدها .........)