زوجي الحبيب... أنتَ لا تفهمني!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنت لا تفهمني...
الزوجة: أشعر ببعض الإرهاق في اليومين الماضيين بسبب امتحانات الأبناء.
الزوج: هل تريدين الذهاب للطبيب للاطمئنان على صحتك؟
الزوجة في ضيق: أنا لست مريضة فقط أشعر ببعض الإرهاق.
الزوج: حسنا يمكنك أن تنامي مبكرًا هذا اليوم.
الزوجة في عصبية: وكيف أنام مبكرا والأولاد عندهم امتحانات غدًا؟؟
الزوج في تعجب: حسنًا... حسنًا... لا أعرف سر عصبيتك! فقط أردت أن أساعدك!!
الزوجة وقد بدأت في البكاء: أنت لا تفهمني... أنت لا تفهمني.
انتبه:
قد لا ينتبه كل من الرجل والمرأة إلى أن لكل منهما طريقته الخاصة والمميزة في الحب، وطبيعة الحاجات العاطفية التي يحتاجها، ولذلك فقد يقوم أحدهما بعمل يقصد منه التعبير عن حبه للآخر، إلا أنه في الواقع يبعده عنه وينفره منه، فالرجل يعبر عن حبه بالطريقة التي يتمنى من زوجته أن تعبر بها عن حبها له، وهي كذلك؛ تعبر عن حبها لزوجها بالطريقة التي تتمنى من زوجها أن يقوم بها، بينما الأوْلى أن يحاول الرجل معرفة حاجات الزوجة، والطريقة التي تفضلها لتلقي الحب، وأن تحاول المرأة معرفة حاجات الزوج العاطفية، والطريقة التي يفضلها في تلقي الحب.
وقد يقول الرجل أن زوجته لا تُقدر ما يقدمه ويبذله لها، وتقول هي أن زوجها لا يقدر ما تقدمه وتبذله من أجله، والحقيقة في الغالب أن كليهما يقدم للآخر الكثير من المحبة والرعاية، لكن ليس بالطريقة التي يفضلها شريكه؛ فالزوج يقدم ولكن على طريقة الرجال، والزوجة تقدم ولكن على طريقة النساء، ولذلك لا يشعر كل منهما بما يقدمه الآخر، لأنه لا يتم بالطريقة التي يفضلها المُستقبِل.
وخذ مثالًا على ذلك:
يرى الرجل زوجته منزعجة أو متضايقة من أمر ما، فيحاول التخفيف عنها بالتقليل من أهمية الأمر الذي أزعجها، معتقدًا أنه يقدم الحب والرعاية لها، بينما في الواقع تزيدها طريقته هذه انزعاجًا وتضايقًا، لأنها لا تحتاج إلى من يقلل من انزعاجها أو يفهمها بأن عليها أن لا تنزعج أو تتضايق.
وكذلك عندما ترى المرأة زوجها متألمًا أو منشغل الذهن من أمر ما، فتحاول التخفيف عنه بطرح سلسلة من الأسئلة، مستفسرة عن هذا الأمر، معتقدة أنها تقدم له المحبة والرعاية، بينما في الواقع يزداد زوجها انزعاجًا وتضايقًا من هذه الأسئلة الموجهة إليه.
أخي الزوج، أختي الزوجة
المرأة والرجل كلاهما إنسان، والإنسان عمومًا له حاجات عاطفية يجب أن يشبعها، ولكن ترتيب هذه الحاجات من حيث الأولوية يختلف من المرأة إلى الرجل.
فالحاجات العاطفية للإنسان عمومًا فهي: (الرعاية، التفهم، الاحترام، الإخلاص أو الأولوية، التصديق أو الإقرار، الطمأنة، الثقة، التقبل، التقدير، الإعجاب، الاستحسان، والتشجيع)، وتتصدر الستة الأُوَل (الرعاية، التفهم، الاحترام، الإخلاص أو الأولوية، التصديق أو الإقرار، الطمأنة) قائمة الاحتياجات العاطفية لدى المرأة، وتفهم الرجل لتلك الحاجات لدى المرأة يعد خطوة واسعة قوية على طريق السعادة الزوجية، لذا كان من الأهمية بمكان أن نتعرض لتلك الحاجات بشيء من التفصيل:
أولًا ـ الرعاية
(تحتاج المرأة أن تشعر أن زوجها يقوم برعايتها من خلال إظهار الاهتمام بمشاعرها وأحاسيسها، والرجل عندما يُظهر ذلك فإنها تشعر بأنه فعلًا يهتم بها، وبذلك فهو يحبها) [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض]
ويزداد الأمر وضوحًا بتصريح إحداهن إذ تقول: أنها إذا كانت مريضة فإن زوجها لا يسأل عن حالها، وأنها إذا كانت سليمة يتكلم معها، وهي تترجم ذلك بأن زوجها لا يحبها ولا يهتم بها، ولا يرعاها في وقت شدتها.
ولعل من أهم المواقف التي تُشعر المرأة باهتمام زوجها: حال المرض، فعندما تنظر المرأة في عيني زوجها أثناء مرضها تدرك جيدًا أي نوع من الرجال هو، إما أن ترى فيهما قلقًا عليها وحزنًا علي آلامها، أم ترى فيهما كلمات مخفاة، تود أن تتقافز على اللسان، على غرار (إلى متى ستظل راقدة- لعلها تتمارض- هل سيظل هذا الهم كثيرًا).
هل سيحفها بالكلمات الرفيقة الرقيقة، أم ستسمع التأفف وترى اتساع حدقتيه غضبًا إذا ما قام بخدمتها، هل سيسعى جاهدًا للتخفيف عنها، أم أنها سوف تسمع صراخ الأطفال، حيث يفرغ فيهم مكنون ما يحتويه صدره من سخط.
إن مراعاة الرجل مشاعر زوجته هي سمة النبيل، الذي يرحم ضعف المرأة ويؤمن بوجودها في الحياة كقسيم له فيها لا جارية تخدمه وأبناءه، وما أجمل ما ورد عن أبي عثمان النيسابوري، الذي سُئل: ما أرجى عمل عندك؟ فأجاب إجابة مضيئة اقرأها بتمعن أيها الزوج والتمس من ذلك النور قبسًا:
قال: "كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبي، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان، أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت أباها _ وكان فقيرًا_ فزوجني منها، وفرح بذلك.
فلما دخلت إلي رأيتها عوراء، عرجاء، مشوَّمة!! وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي لقلبها" [صيد الخاطر]. وأترك لك أخي الزوج التعليق على القصة.
ثانيًا ـ التفهم
(تحتاج المرأة أن تشعر أن زوجها يستمع إليها ويفهمها، وذلك برؤيته يُصغي إليها وإلى مشاعرها وعواطفها، من غير أن يصدر أحكامه عليها بالانتقاد أو العتاب) [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض].
(وحين ينصت الزوج لزوجته وهي تعبر عن مشاعرها من دون إصدار حكم، وإنما بتعاطف وتواصل، تشعر هي أنها مسموعة ومفهومة، وموقف "التفهم" هذا يدفع المرأة إلى تقبل زوجها) [الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، د. جون جراي].
هل تعرف حديث أم زرع؟ وما أدراك ما حديث أم زرع، ذاك حديث تجاوزت كلماته الثلاثمائة كلمة، جرت على لسان السيدة عائشة على مسمع النبي صلى الله عليه وسلم، تحكي من خلالها خبرًا لنسوة جلسن يتذاكرن أحوال أزواجهن.
ولكن ما يعنينا هنا هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ظل ينصت إلى هذا الحديث الطويل، دون مقاطعة- مع عظم مهامه ومشاغله- وباهتمام يظهر في تعليقه المثمر على كلامها.
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يتفهم حاجتها، ولا يعجل عليها باللوم والتقريع، حيث قرأ الرسالة من خلف ستور الفعل.
فعن أنس قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه, فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام, فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت, فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة, ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: ((غارت أمكم)), ثم حبس لخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها, فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها, وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت) [رواه البخاري].
ثالثًا ـ الاحترام
(تحتاج المرأة إلى الشعور باحترام زوجها، ويحقق الرجل هذا من خلال إظهار اهتمامه الحقيقي بها، ومن خلال تذكر المناسبات الخاصة التي تتعلق بها، كذكرى زواجهما، ومن خلال القيام بالأعمال المادية، التي تظهر اهتمامه بها؛ كالهدية أو باقة ورد) [التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض].
(وعندما يستجيب الزوج لزوجته بطريقة تعترف وتعطي أفضلية لحقوقها ورغباتها، تشعر هي بأنها محترمة، وعندما يتصرف آخذًا بعين الاعتبار أفكارها ومشاعرها؛ ستشعر بكل تأكيد أنها محترمة، وهي حين تشعر بـ"الاحترام" يكون من السهل عليها جدًا أن تعطي زوجها "التقدير" الذي يستحقه) [الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، د. جون جراي].
وإليكَ أخي الزوج هذه القصة المضحكة: (كانت هناك امرأة لها أبناء وزوج، ظلت عشرين عامًا تخدمهم، وتعد لهم أفخر الطعام، وعندما يأتي المساء ويلتقون حول المائدة، يلتهمون الطعام وهي تنظر إليهم، فإذا انتهوا قام كل واحد إلى شأنه، وفي يوم؛ حضروا كعادتهم والتفوا حول المائدة، وطلبوا الطعام، فقالت الأم في غموض عجيب "الطعام أمامكم"، فنظروا فلم يجدوا إلا طبقًا واحدًا مغطى، قالوا في عجب "الطعام صنف واحد اليوم!"، فكشف أبوهم الغطاء، ويا للعجب! وجد أبوهم كومة من التبن في الطبق، تناثر غبارها على وجوههم، انفجروا جميعًا من الغيظ، وقالوا في فم واحد "تبن!"، قالت بابتسامة ذابلة "عشرون عامًا وأنا أصنع لكم أفخر الطعام، ولا أجد منكم كلمة، فظننتُ أنكم لا تفرقون بين الطعام الجيد والتبن) [بالمعروف، د. أكرم رضا]
هل تدري لماذا فعلت الزوجة هذا؟ لأنها لم تجد الشكر والثناء لما تبذله وتقدمه لأسرتها وزوجها.
أخي الزوج
لماذا تنتظر حتى تدخل زوجتك المستشفى لتحضر لها باقة زهور؟ لماذا لا تحمل لها باقة وأنت عائد إلى البيت اليوم؟ لماذا لا تشعر بقيمة زوجتك إلا حين تفقدها أو تحرم من خدماتها لأي سبب كان؟ لماذا لا تنبعث عاطفتك واهتمامك إلا عقب مشكلة معها، لماذا تتدفق إلا في صورة ردود أفعال؟ فابذل الجهد فإن الأمر حتمًا يستحق.
وماذا بعد الكلام؟
1- اشكر زوجتك على ما تبذله وتقدمه من جهد ووقت لك ولأولادك.
2- لا تنس باقة الزهور، أو على الأقل زهرة واحدة.
وإذا فعلت ما سبق فإن رصيد الحب بينكما سيزيد، ولا تقل أنها أمور تافهة، فقد تقول بعد ذلك إن الحب ذهب لأتفه سبب.
المصادر:
- صيد الخاطر، ابن الجوزي.
- التفاهم في الحياة الزوجية، د. مأمون مبيض.
- الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، د. جون جراي.
- بالمعروف، د. أكرم رضا.
- حتى يبقى الحب، د. محمد محمد البدري