باستثناء بعض المواقف اليتيمة، مواقف أفلاطون وماركس وسيمون دي بوفوار مثلا، ظل الموقف الفلسفي من المرأة موقفا سلبيا وغير مشجع على نفي حالة الصراع بين الرجل والمرأة التي طبعت التاريخ البشري، على الرغم من وجود مجتمعات موشومة بالبدائية تحتل فيها المرأة مركز الصدارة، في حين يقبع الرجل في ركن خفي، ينتظر نظرة حالمة من زوجته، أو هدية تتحف بها وجدانه، وتقبل بها مودته.
لقد اعتبر أرسطو المرأة رجلا ناقصا أو ذكرا غير مكتمل، ولا تصلح إلا لوظيفة الإنجاب، واعتبرها الفيلسوف الأنواري والأب الروحي للثورة الفرنسية، جون جاك روسو منذورة فقط لخلط الخضر بالحساء وإعداد الطعام لفارسها، وفي جميع الأحوال على المجتمع أن يربي المرأة منذ الصغر على الخضوع للرجل وإلا فإن وجود المجتمع سيكون في خبر كان. وكانط المتخم بالأخلاق رأى فيها كائنا أخلاقيا ناقصا لأنه ناقص عقلا. أما شوبنهاور فليست لديه جنسا لطيفا، وإنما هي جنس لا يتذوق الفن، ولا يعرف إلا تبذير أموال الزوج في المناسبات التافهة. ويزيد نيتشه النار في الهشيم حين ينصح كل رجل قاصدا امرأة بقوله: " إذا ذهبت إلى النساء فلا تنسى السوط " . فلم كل هذا الإزدراء للكائن التائي(نسبة إلى تاء التأنيث)؟هل يتعلق الأمر بكينونة بيولوجية ترث بها في خلقتها الأولى مورثات دونيتها أمام الرجل، أم هي العوائد والأعراف الأبيسية التي فعلت فعلها فمنحته الامتياز الاجتماعي وهوت به في الوجود إلى قاع الدونية؟ ألا يؤدي التفسير الاقتصادي إلى تحليل أدق لوضع هذا الكائن وحدود إمكاناته في المجتمع، وبين المجتمعات؟
يمكن القول بأن القول الفلسفي الذي وشم تاريخ الفلسفة قد علق بالثقافة السائدة داخل كل مجتمع. هذه مفارقة وقع فيها المزدرين لقدر هذا الكائن في الوجود، وفي نسمة الحياة التي تمنحها للعلائق التي ينسجها بني البشر. فإذا كان موقف هؤلاء موقفا تنويريا في العديد من النقاط والقضايا التي أقاموا فيها الحفر بمنطق العقل البرهاني وآليات اشتغاله، وقلبوا فيها كثيرا من الأوضاع التي يغلفها ضباب سديمي، دون إمعان للفكر والنقد في مدى استيعابه لموطنات وجوده الذاتي ووجوده العلائقي الذي يضمه إلى الآخرين، فإن موقفهم من هذا الكائن ظل موقفا متخلفا، ولا يحتفي بحال بكرامة الإنسان التي نص كانط على أنها غاية تعلو على المصالح والمنافع الذاتية التي تجعل البعض أدوات في خدمة غايات الآخرين، مثلما يقع بالنسبة للرجل، حين يتخذ المرأة مجرد متعة، أو وسيلة لحفظ النسب من الإندثار.