سم الله الرحمن الرحيم
هل جربت أن تكون مقاولاً ؟
يظهر السؤال عاماً وكأنه دعوة للتجربة، ويعود ذلك ليسر الطريق وسهولة الإجراءات في أن تصبح مقاولاً في بلادنا، سواء كنت من المواطنين أو الوافدين، من يملك المعرفة بهذا المجال ومن لا يملكها، ما عليك إلا أن تتقدم بالطلب وتكمل الإجراءات البسيطة المطلوبة، لتصبح مقاولا تعمل أو تفسح المجال لمن يعمل والسوق يستوعب الجميع.
أذكر أن مقاولا يعمل في هذا المجال عندنا، وهو في الأصل يعمل مصففا للشعر (كوافير) في بلده، وسأله بعض الزملاء عن هذا الاختلاف الكبير بين المهنتين فقال لهم: ( إن العمل في المقاولات هنا أسهل من العمل في العمل في تصفيف الشعر هناك).
ومع ذلك، فان قطاع المقاولات الإنشائية عندنا يعاني من صعوبات كبيرة، تحد من المسيرة، وتحبط الطموح، وتسبب الأذى للمقاولين إدارياً وماليا، من هذه المعوقات:
1- العقود:
تعاني صياغة العقود من ضعف كبير يصل في أحيان كثيرة إلى درجة الظلم، وخصوصا عقود القطاع العام التي لا يوجد لها في الغالب أساس مهني دولي موثق، بل يضعها المسئولون في كل إدارة لتحفظ حقوق إداراتهم بينما لا تهتم بالمقاولين، وفي العادة فإنها تكون مليئة بصيغ التنصل التي ترمي بالمسئولية على المقاول حتى لو أخطأ المالك أو الاستشاري، وهذا ما يبرر تسمية البعض لها بعقود (الطرف الواحد).
2- الإشراف:
تتولى جهات كثيرة الإشراف بنفسها على مشاريعها، بينما تعين جهات أخرى مهندسين استشاريين للإشراف، إلا أن آلية العلاقة بين الأطراف غير موحدة، وتختلف من جهة إلى أخرى، بل وتختلف في بعض الأحيان في نفس الجهة من مشروع إلى آخر، والحقيقة أن الاستشاريين عندما تكون لديهم الصلاحية والمسئولية لإدارة المشروع كاملا، يكونون في الغالب متعاونين وهدفهم إنهاء المشروع حسب المطلوب، ولكن ما يحدث، هو أن كثيرا من الملاك يعينونهم للإشراف في الموقع والتدقيق على جودة الأعمال، ولكنهم يسحبون منهم الاعتمادات سواء للمخططات أو للمواد، ويوجهون المقاول مباشرة، مما يحدث ازدواجية في العمل وتأخير في الوقت وتناقض في الآراء، والضحية هو المقاول.
كما أن أجهزة الإشراف خصوصا عندما تكون مباشرة ترهق كاهل المقاول بالمطالب التي لا تنتهي، والتي تأخذ بعضها صفة الشخصية، بينما لم يحسب المقاول لها حساباً، ولا يستطيع الشكوى لأنها في غير مصلحته.
ومجمل القول.. إن المقاولين يعانون في عملهم من عدم وجود الضوابط التي تحدد آليات الإشراف وحدودها وتجعله موجها للعمل صفا إلى صف مع المقاول، بهدف إنجاز المشروع في وقته المحدد وبالجودة المطلوبة، ضمن الميزانية المخصصة للمشروع.
3- التمويل والدفع:
يعاني المقاولون من تأخر استلام مستحقاتهم، ومع أن المقاولين لا يستطيعون العمل بدون سيولة توفر لهم المواد وتدفع عنهم المصروفات ومستحقات الأطراف الأخرى، إلا أن اغلب الملاك لا يهتمون بإنهاء إجراءات المستخلصات الخاصة بالمشاريع في أوقاتها المحددة، بل توضع العراقيل ويتم تعقيد الإجراءات والمقاول يتحمل النتيجة، ومع أن هذه الظاهرة بدأت في التحسن في الآونة الأخيرة، إلا أنها ما زالت تمثل مشكلة سواء لدى القطاع العام أو الخاص، وخصوصا ما يتعلق منها بالدفعة الأخيرة، واسترداد الضمانات، في الوقت نفسه، فان آليات التمويل بين القطاعات المالية والبنكية وكثير من المقاولين مازلت متحفظة وقليلة، ولم ترتق إلى درجة أكثر مرونة ودقة ويجد فيها كل طرف مبتغاه.
4- المنافسة:
مع أن صناعة الإنشاءات تعتبر صناعة هندسية، وتتطلب الكثير من الدقة والمهارة والمعرفة، إلا أنها مجالا كبيرا للمنافسة، ويعاني المقاولون فيها من اشتداد المنافسة مما يضر بالقطاع بأكمله، في الوقت الذي تتعثر فيه كثير من المشاريع نتيجة لعدم قدرة المقاولين على الالتزام بما هو مطلوب منهم، وربما يكون موضوع سهولة الإجراءات لأن تكون مقاولا سببا في اتجاه كثيرا من الناس لهذا الباب من أبواب التجارة دون معرفة بالمخاطر والصعوبات.
5- الأنظمة والقوانين:
تشكل بعض القوانين والأنظمة صعوبات مباشرة أو غير مباشرة للمقاولين، فنظام المشتريات الحكومية مثلا يوصي بالعرض الأقل سعرا، ولا يأخذ مسئولو المشتريات بالجوانب الفنية حتى وان كانت مذكورة في النظام، وهذا يزيد من حدة المنافسة، ويجعل من الصعوبة كسب الأعمال بالنسبة للمقاولين المحترفين، والذين يتكبدون في سبيل رفع مستوى أعمالهم إلى تكاليف لا توجد لدى المقاول المبتدئ، ومع ذلك فان هذا المبتدئ يحصل على ما لا يحصل عليه المحترف بسبب الأنظمة.
كما أن غياب الأنظمة والقوانين التي تنظم صناعة الإنشاءات وتحدد المسئوليات والعلاقات فيها بين الإطراف المعنية، وتهتم بالإشراف والعقود والتصنيف والتأهيل والكوادر الفنية، من أهم أسباب ضعف صناعة الإنشاءات في بلادنا، وربما يعود هذا السبب إلى غياب المرجعية الخاصة بالقطاع، واجتهاد كل جهة فيما يخصها.
6- التصنيف:
إذا كانت الأنظمة والقوانين تسمح لمن شاء أن يكون مقاولا، وإذا كانت المنافسة سببا من أسباب فشل بعض المقاولين وبعض المشاريع، فان التصنيف الخاص بالعاملين في هذا القطاع، وتصنيف المقاولين يجب أن يكون دقيقا وملزما، في الوقت الذي يجب فيه تيسير إجراءات التصنيف مع تشديد شروطه، إذ يكفي إرباكا لهذه الصناعة ولمن يعمل بها، أن نجعل إجراءات التسجيل فيها بسيطة، بينما إجراءات التصنيف معقدة، وعلى هذا الأساس فان المطلوب هو تحديث أنظمة التصنيف وإجراءاته وجعلها أكثر إلزامية وفاعلية.
7- الأيدي العاملة:
تعتمد صناعة الإنشاءات على الكثير من الأيدي العاملة الفنية، ونظرا لعدم توفر الكفاءات الفنية المطلوبة لهذا المجال محليا، فانه يمكن القول إن صناعة الإنشاءات تعتمد على القدرات البشرية التي يتم توفيرها من بلدان أخرى للقيام بهذه الأعمال.
ونظرا للصعوبات التي تضعها الجهات المسئولة في سبيل الحد من الاعتماد على الأيدي العاملة الأجنبية وتشجيعها للسعودة، فان المقاولين في هذه الصناعة والذين يعانون من عدم توفر الأيدي العاملة المحلية، تقابلهم إجراءات صعبة ومعقدة في سبيل الحصول على تأشيرات لاستقدام من يقوم بإنجاز الأعمال التي تعاقدوا عليها، وهذه المعاناة تنطبق أيضا على قطاع التشغيل والصيانة وربما بشكل أصعب.
ومادام هذا واقعنا الذي نعرفه بدقة، فان مد جسور التعاون وتسهيل الإجراءات لاستقدام من يساعدنا على إنجاز أعمالنا، عندما لا نجد من يقوم به محليا، مطلبا ضروريا لمساعدة هذه الصناعة التي قدر لها أن تكون هكذا.
لهذه الأسباب ولغيرها كثير، أنصحك أن لا تجرب أن تكون مقاولا.. إذا لم تكن قد جربت بالفعل.
ملاحظة:
أ- كاتب المقال سعودي الجنسية واسمه فيصل الشريف، لذلك نرى تأثر أسلوب الكاتب بواقع بلاده.
ب- قمت بتصرف بسيط في المقال، وأجريت بعض التعديلات البسيطة[/font][/size]
ومن الله التوفيق