كثيراً ما يطلق على الجبال تسمية المستودعات الطبيعية للمياه. وتعترض التكوينات الجبلية حركة الهواء حول الكرة الأرضية وتجبره على الصعود الى أعلى حيث يتكثف كغيومٍ، تسقط على هيئة أمطارٍ وثلوج.

كما تختزن الجبال المياه، على شكل ثلوجٍ وجليد، لتنطلق كمياهٍ ذائبة خلال فترات الدفء- التي غالباً ما لا تسقط فيها إلا كمياتٍ ضئيلة من الأمطار.

وهكذا فليس من الغريب أن يأتي 70 الى 90 في المائة من كميات المياه الجارية في الأنهار، بالأقاليم الجافة وشبه الجافة، من الجبال. بل وحتى في المناطق المعتدلة، يمكن لنحو 30 الى 60 في المائة من المياه العذبة أن تصدر من مساقط المياه الواقعة في المرتفعات. ففي حوض نهر الراين مثلاً، توفر جبال الألب 31 في المائة - وترتفع هذه النسبة في الصيف الى أكثر من 50 في المائة - من المياه المتدفقة فيه سنوياً، رغم أن هذه الجبال لا تشكل سوى 11 في المائة من مساحة أراضي هذا الحوض.

والحقيقة أن جميع الأنهار الكبرى في العالم - من نهر "ريو غراندي" الى نهر النيل - تقع منابعها في الجبال، كما يعتمد واحد من كل شخصين على ظهر هذا الكوكب، على مياه الجبال بشكلٍ أو آخر: للشرب، وكمصدرٍ للطاقة أو الدخل، ولإنتاج الغذاء.

مورد ثمين وقابل للنفاد
إن للمياه دوراً جوهرياً في صون الحياة البشرية لهو أمرٌ جلي لا لبس فيه.

فعلى المستوى العالمي توفر المياه العذبة 12 في المائة من أسماك الطعام، وهي مسؤولة عن توليد 20 في المائة من الطاقة الكهربائية، وتقوم على دعم ما يقارب 40 في المائة من إنتاج الغذاء والمحاصيل من خلال الري.

إلا أن قوة الأنهار الجبلية لا يتم تصديرها على الدوام الى المناطق الأقل ارتفاعاً.

ففي المناطق الريفية من نيبال على سبيل المثال، هناك نحو 25000 عجلةً تدور بالمياه وما يزيد على 900 توربين صغير يعمل على الماء - وهي تقنية حديثة نوعاً ما - توفر مصدراً هاماً من مصادر الطاقة للمقيمين في المنطقة.

وما يتضح على نحوٍ متزايد أنه بلا إيلاء عنايةٍ أكبر للإدارة المستدامة لهذا المورد القابل للنفاد، فان مشكلات إمدادات المياه الآخذة في التفاقم لن تزداد إلا سوءاً على سوء - ومعها الآثار الخطيرة المتوقعة على الزراعة والأمن الغذائي - خاصةً في العالم النامي.

ويعاني ما يقرب من 2.3 مليار شخصٍ في أنحاء العالم اليوم من نقصٍ مزمنٍ في المياه. ويعيش عدد لا بأس به منهم في بلدانٍ ناميةٍ بلغ فيها شح المياه حداً كبيراً بحيث تعرضت قدراتها القطرية على إنتاج الغذاء وبناء اقتصادٍ مستقر للإعاقة على نحو خطير.

وتتوقع دراسات المنظمة أنه بحلول عام 2030 سيكابد واحد من كل خمسة بلدانٍ نامية الأمرّين من نقصٍ في المياه.

أثر متسع
على النقيض مما قد يتصور المرء، فإن الجبال عبارة عن نظمٍ بيئيةٍ هشّة. إذ ان الطبيعة العمودية للجبال - خطوطها الكنتورية، ونتوءاتها، وقممها ومسطحاتها - تجعل سطحها غير مستقر. كما أن تربة الجبال، والتي تتشكل على نحوٍ بطئ بسبب الارتفاعات الشاهقة ودرجات الحرارة الأكثر انخفاضاً، غالباً ما تكون حديثة السن وضحلةً وأقل رسوخاً مما يجعلها عرضةً للتعرية والإنجراف.

ويمكن للأنشطة الإنسانية أن تعرض التوازن الدقيق للنظم البيئية الجبلية للإختلال. فاجتثاث الغابات المرتفعة، والتعدين، والزراعة غير المستدامة، والزحف العمراني، وارتفاع درجات حرارة الأرض، تترك آثارها جميعاً - كل من ناحيته - على مساقط المياه الجبلية - وعلى السكان والنظم البيئية الواقعة في المناطق السفلى، من خلال آثارها المتصلة بالمياه.

وتورد صحيفة بيانات أصدرتها المنظمة في هذا الصدد أن "أي حدثٍ يقع في مساقط المياه المرتفعة ومستجمعاتها يُحدث أثراً جسيماً على المناطق الواقعة أسفل منه. وتعتمد صحة مسقط المياه برمته في كثيرٍ من الأحيان على الحيلولة دون وقوع تدهورٍ بيئيٍ في تلك المناطق".

وتساعد النظم البيئية الجبلية السليمة على منع تعرية وانجراف التربة، وتحدّ من الترسيب في خزانات المياه، وتخفف من حدة آثار الإنزلاقات الطينية والفيضانات، وهي عوامل يمكنها جميعاً أن تهدد إمدادات المياه في المناطق الدنيا.

وتقول المنظمة أن سكان المناطق الجبلية مع ذلك يبقون من بين الفئات الأشد فقراً والأقل حظاً من الثروة في العالم النامي - فالفقر، والعزلة، والنمو السكاني، ومحدودية الوصول الى الأراضي تجبر الكثير من المقيمين في المناطق المرتفعة على تبني ممارسات زراعةٍ، وأساليب للبقاء تدمر البيئة.

وبناءً عليه، لا يكمن التحدي القائم في حماية النظم البيئية للجبال فحسب، بل وإشراك المجتمعات الجبلية أيضاً في هذه الحماية - من خلال سبل ملائمةٍ ثقافياً واقتصادياً - الى جانب تعزيز قدرات هذه المجتمعات على كسب أرزاقها علي نحو مستدام.

العثور على حلول
باعتباره جزءاً من عملها الرامي الى تعزيز إدارة موارد الأراضي والمياه، قامت المنظمة عام 2002 بإطلاق مبادرة "الجيل المقبل لبرامج إدارة مستجمعات المياه".

كما مضت المنظمة بالتعاون الوثيق مع شركاء آخرين مؤخراً، بإجراء مراجعةٍ شاملة لجوانب نجاح إدارة مساقط المياه في الغابات والمناطق الجبلية ونقاط ضعفها. ولسوف تقوم في القريب العاجل بإصدار مجموعةٍ من الخطوط التوجيهية للإدارة الجيدة لمساقط المياه كأداةٍ تضعها في متناول صانعي السياسات، والمجتمعات، والوكالات الحكومية العاملة في مجال إدارة موارد الجبال.

وقد اختارت المنظمة مقولة "الجبال: مورد المياه العذبة"، كشعارٍ للسنة الدولية للجبال بهدف رفع الوعي بالدور الحيوي الذي تلعبه الجبال في إمداد العالم بالمياه.

ويقول دوغلاس ماكغواير، رئيس المجموعة المعنية بالجبال لدى المنظمة: "إن المياه مقوم أساسي للحياة البشرية، والنظم البيئية الصحيحة للجبال مصدرٌ أساسي للإمدادات العالمية من المياه. ومن خلال العناية بجبال العالم نساعد على ضمان استمرار البقاء على الأمد البعيد لكل ما يرتبط بها، بما في ذلك نحن أنفسنا"..