بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدافع لكتابة الموضوع :
لقد رأيت من بعض الناس تساهلاً في سماع الغناء بل إن البعض يظن أنه حلال فكان لابد من تبيين حكمه الشرعي .
أبدأ مستعيناً بالله :
الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيرا وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد ..........
فمما عمت به البلوى بين المسلمين انتشار الغناء على ألسنة الشباب والفتيات ظنا منهم أن هذا من باب اللهو واللعب المباح وكذب ظنهم وخاب وضلوا ضلالاً بعيداً
وصدق الله : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد )
ومما هو متفق عليه بين العقلاء أن لكل شيئ دليل وسند وسبق وبينة وحجة وقد نهانا الله أن نتكلم في الحلال والحرام بل شدد الله على من يصنع ذلك فقال ربي وأحق القول قول ربي
( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ) وأرشدنا الله جل وعلا كيف نتعامل
مع الأمور التي نتنازع فيها ويجادل الجهلاء السفهاء فيها فقال سبحانه : ( فإذا تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
فإلى كل من يريد الخير ويريد الجنة ويريد رضا الله جل وعلا هذا بيان لشفاء كل عليل من السنة وكتاب الجليل وحتى لايضيع البحث في غير إفادة فسوف نرتب البحث كالآتي :
أولاً : الدليل على حرمة الغناء من كتاب رب الأرض والسماء .
ثانياً : الدليل على حرمة الغناء من كلام إمام الأنبياء .
ثالثاً : كلام الصحابة والتابعين في الغناء .
رابعاً : رأي المذاهب الأربعة في الغناء .
خامساً : نداء من القلب .
مقدمة لابد منها
لم يظهر الغناء باستعمال آلات الطرب واللهو إلا في أواخر القرن الثالث.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة؛ لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في مصر ولا في العراق ولا في المغرب
ولا في خرسان عند أهل الصلاح ,وأهل الزهادة, وأهل العبادة الاجتماع على مثل المكاء والتصدية، إنما نشأ ذلك في أواخر المائة الثانية ) .
ولذلك يُعلم أن ما يطلق من أقوال بعض الصحابة وأشعار العرب من ذكر الغناء, فالمراد به الأشعار, وما يسمى في وقتنا بالأناشيد.
وقد نص على هذا التعريف غير واحد من الأئمة؛ من أئمة اللغة وغيرهم؛ كأبي عبيد القاسم بن سلاّم، بل نص عليه الإمام الشافعي، ويأتي الكلام عليه بإذن الله.
والمراد من ذلك أنه ينبغي أن يفرّق بين اصطلاح أهل العصر واصطلاح الأوائل, وإن كان اللفظ واحداً, ويشمل عند التنظير في اللغة كِلا الأمرين، لكنّه لا بد من النظر لظاهر الحال, وما يُطلقُ عليه ذلك الاستعمال وما اقترن به.
ولذلك لما ظهر الغناء في مصر، من نحو أربعين سنة، وأحتج بعضهم ببعض الألفاظ التي جاءت عن بعض السلف, من ذكر الغناء, والمراد به الألحان والحداء وأمثاله المجردة، واستدلوا بتلك النقو
ل , قال الغماري- وهو من علماء المغرب-: ( حتى إبليس داخل في إجماع العقلاء على حرمة ذلك ) .
أي: أن ما فعله أُولئك بعيد عما نُقِل عن الصحابة والتابعين من ذلك اللفظ، ولذلك وقع اللبس عند كثير ممن غلب عليه هواه، وعند قِلّة ممن ينتسب إلى العلم.
وقد جعل ابن قدامة رحمه الله من خلط بين هذه المفاهيم ليس أهلاً للفتيا.
أولاً : الدليل على حرمة الغناء من كتاب رب الأرض والسماء
الدليل الأول :قال الله تبارك وتعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"
حكى الطبري في تفسيره قائلاً: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: عُنيَّ به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عمّ بقوله: (لَهْوَ الحَدِيثِ)
ولم يخصص بعضاً دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك."
وجاء عند الطبري : أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لهو الحديث الباطل والغناء. وقال قتادة عن لهو الحديث: اللهو الطبل.
وجاء في تفسير ابن كثير: عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية "ومن الناس" فقال عبد الله بن مسعود: الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات.
وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة. وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير"
وقال القرطبي: وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود: الغناء ينبت النفاق في القلب . وقاله مجاهد وزاد أن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل .
وقال الألوسي في تفسير الآية: "ذم الغناء بأعلى صوت وقد تظافرت الأثار واتفقت كلمة الأخيار على ذم الغناء وتحريمه مطلقاً لا في مقام دون مقام."
فهذا كما ترى أخي القارئ تفسير الآية عند جميع أئمة التفسير
وإليك الدليل الثاني :قال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا"
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل داع إلى معصية..
قال ابن القيم: "والغناء من أعظم الدواعي إلى معصية الله "عن مجاهد أنه قال: "صوت الشيطان الغناء والمزامير".
وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه."
وقال الرازي في تفسيره : يقال أفزه الخوف واستفزه أي أزعجه واستخفه ، وصوته دعاؤه إلى معصية الله تعالى ، وقيل : أراد بصوتك الغناء واللهو واللعب
وقال بن كثير في تفسيره وقوله: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك.
أشعر وكأن الشيطان ما زال يراودك ويوسوس لك قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم واقرأ معي الدليل الثالث
الدليل الثالث : قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء
وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور) قال: لا يسمعون الغناء.
قال الإمام الطبري: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء."
أمازال قلبك لايريد الحق أسأل الله أن يكون الدليل الرابع مذهباً لمرض قلبك قل : آمين
الدليل الرابع : قوله سبحانه وتعالى: "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ"
قال بن كثير : وقوله: { وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } قال سفيان الثوري، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الغناء
سامدون أى مغنون، والسمود الغناء على لغة حيمر. و قال أيضاً رضي الله عنه: هو الغناء، وهي يمانية، يقولون اسمد لنا: تغن لنا.
قال ابن القيم: "وهذه المعاني الأربعة كلها موجودة في الغناء."
قال بن عثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة النجم : {وأنتم سامدون } أي: غافلون بما تمارسونه من اللغو والغناء وغير ذلك، لأن منهم من إذا سمعوا كلام الله - عز وجل - جعلوا يغنون،
كما قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون } فسامدون قيل: المعنى مغنون،
وقيل: المعنى غافلون، والصواب أن المراد غافلون عنه بالغناء وغيره مما تتلهون به، حتى لا تسمعوا كلام الله - عز وجل
فهذه أدلة بها يشفى كل عليل في الغناء ومن أعرض أعرض الله عنه ومن تاب تاب الله عليه وأذكرك بقول الله تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )
ثانياً : الدليل على حرمة الغناء من كلام سيد الأنبياء
الدليل الأول : عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القبامة) ( صحيح ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة .
( الحر) : الفرج والمراد : الزنا علم : هو الجبل العالي المعازف : آلات الملاهي سارحة : الماشية تسرح بالغداة إلى رعيها تروح : ترجع بالعشي إلى مألفها ياتيهم لحاجة : ياتيهم طلب حاجة فيبيتهم الله : يهلكهم ليلا يضع العلم : يوقعه عليهم )
والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها.
صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم نعم يستحلون وهذا هو الواقع فمع كون الغناء والمعازف من المحرمات بدلالة الكتاب والسنة إلا أن الجهلاء يصرون على حِلهاوإذا قيل لهم أن هذا حرام جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا تلك الأدلة هزوا واستهزأوا بقائلهاوكيف لرجل عاقل يرضى أن يُمسخ آخر الزمان قرداً أو خنزيراً فيظل ممسوخا إلى يوم القيامة .