كثـرة مصائب أم شفافية اعلام ..!
لسنا في موقع المطلعين على حقيقة ما اذا كانت اخبار الجرائم والاعتداءات وحوادث السير وعمليات النصب اليومية التي تطالعنا بها الصحافة هي نتيجة تزايد هذه الظواهر السلبية في المجتمع الاردني ،ام نتيجة طبيعية للشفافية وحرية الصحافة في تغطية كل هذا الكم من العنف ،الشيء المؤكد ان مجتمعنا اليوم يعاني من حوادث عنيفة سواء ما تعلق منها بالاعتداءات على الاطفال بالخطف والتعذيب وربما القتل ايضا وتكرار ظاهرة اللقطاء في مجتمعنا الشرقي المحافظ ،دون ان نغفل عما تخلفه حوادث السير من كوارث انسانية فظيعة ثم عمليات النصب والسطو وغيرها من الجرائم والجنح ،وواضح ان ما نعرفه ربما اقل بكثير مما لا نعرفه ،وما لا تنشره الصحافة أكثر مما تنشره ،فالشفافية احيانا لا تكون ايجابية ومطلوبة لانها قد تصبح سببا في تفاقم المشكلة بدلا من تسهيل حلها بالوعي والمعرفة ،والحديث هنا يدور عن عشرات القضايا التي لا تصل للصحافة واذا وصلت لا تنشرها بمبرر رئيسي هو انها تمس سمعة الافراد والعائلات وتثير مشاكل نحن بغنى عنها وهذه الحوادث غالبا ما تتعلق بظاهرة فقدان اشخاص وتضاعف اعداد الهاربين والهاربات من بيوت ذويهم.
الثابت ان الحوادث تكاثرت في تزامن مع تحسن اوضاع الشفافية في مجتمع اردني طالما عرف بكونه منغلقاً لجهة هذا النوع من القضايا وغير مفتوح على وسائل الاعلام عندما يتعلق الامر بالاخلاق والقيم المجتمعية الاصيلة ،ورغم ذلك صارت الاحداث تفرض حضورها وعنفوانها وتجبر الناس والمؤسسة الامنية والصحافة على التعامل بواقعية مع ما يحدث في هذا المجتمع المحافظ او الذي يفترض انه كذلك ، وما يجري الآن في بلدنا من شفافية تصل حد المبالغة يشبه ما جرى في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد تفككها ،فاذا كان الكبت والمنع وغياب الحريات الصحفية قد حالت دون معرفة الناس بمئات الحوادث التي وقعت في ظل الحكم السوفيتي، فان الحال قد تغير بعد ذلك ومع بدايات عصر الاستقلال الروسي والانفتاح والحرية صارت الصحافة تتسابق في نشر الفظائع وقصص الجرائم لدرجة المبالغة.
نحن في الاردن نتعامل الآن مع هجمة شرسة من الحوادث وربما الكوارث التي يصعب التستر عليها وتجاهلها ،فما من يوم تخلو فيه صفحات الجرائد من اخبار العثور على جثث او القبض على جناة او فقدان طفل او العثور على لقيط ،وتفسير ذلك لا يقع في اطار الشفافية وحسب ،فالحقيقة المرة تقول ان هناك تزايدا في اعداد الجرائم على اختلافها باستثناء الجريمة المنظمة لحسن الحظ ،الامر الذي يقتضي مراجعة سريعة وفورية للواقع الحياتي للناس والى دراسات اجتماعية عميقة للوقوف على اسباب هجمة الجريمة بهذا الكم والنوع على حياتنا ،فهل ثمة من يتحمل المسؤولية عما يجري في مجتمعنا ام ان الامر مجرد انعكاس طبيعي للشفافية ذاتها ويظهر بجلاء القدرة الامنية في كشف هذه الجرائم وفك طلاسمها ومن ثم وضعها في متناول الناس ؟
جهاد المومني
http://www.alrai.com/pages.php?articles_id=29148
منقول وبتصرف من صحيفة الراي الاردنية