فـي مفاهيم التعددية الديمقراطية
لعل من أهم مفاهيم التعددية في الدولة الديمقراطية تلك التي تقول أنها تكمن في نظرية أن :'' تشكل الحقيقة من أجزاء عديدة مختلفة ؛ وأنه لا يوجد تفسير وحيد مفرد للنظر إلى أنها الحقيقة ؛ وأهمها حقيقة الحياة نفسها. وتشير التعددية إلى قبول عدة مجموعات في أي مجتمع إنساني ؛ أو عدة مدارس فكرية في أي نظام ثقافي أو اقتصادي أو حضاري ؛ وأهم من كل تلك المجموعات في التعددية السياسية.
وتعتبر التعددية السياسية في الفكر السياسي بصورة عامة الإعتراف بالإختلاف ؛ وتتخذ التعددية الفكرية عدة أساليب مختلفة ؛ وفي السياسة خاصة تعتبر التعددية السياسية وسيلة مهمة ؛ ومبدأ مهماً من المباديء الديمقراطية الحديثة ؛ خاصة في تحقيق المصالح الحيوية للمواطن ، وجميع المواطنين ومجموعاتهم ؛ وبذلك تعتبر من أهم أساليب ووسائل الحكم الديمقراطي.
كما تعني التعددية ؛ بمختلف اتساعها وتأثيرها ؛ الموقف الذي تأتلف وتتعايش فيه دون نزاع عدة مجتمعات جنسية أو عنصرية أو دينية أو حضارية أو ثقافية في أي مجتمع سياسي ديمقراطي. كما تعني أن ذلك الموقف التعددي مرغوب فيه ومفيد للمجتمع الذي يتخذه سياسيا واجتماعيا.
وأخيرا تعني التعددية بأنه لا يوجد نظام يوضح أو ينظر إلى أية حقيقة مهما كانت على أنها المكونة الوحيدة للحياة الإنسانية ؛ هنا يسلم الإنسان المسلم نفسه وحياته إلى الله تعالى وحده لا شريك له ؛ وهو سبحانه الذي لم يتعدد ولا يتعدد ولن يتعدد ولا يوجد له كفوا أحد في المجتمعات المدنية الديمقراطية ، لا يمكن للتعددية السياسية أن تتحقق إلا بتعدد الأحزاب ، وكفاحها السياسي السلمي المشروع لتولي السلطة التنفيذية أو المشاركة فيها بهدف خدمة الوطن والمواطنين ؛ والسعي لتحقيق '' سياسة الممكن '' من السعادة وحسن العيش والرضى والحرية لأكبر عدد ممكن من المواطنين ؛ ومنع الشقاء، والخوف، والفاقة، والجهل، والمرض، والاستبداد عن جميع المواطنين. وفي حالة فشل الحزب في الوصول إلى مسؤولية السلطة التنفيذية أو المشاركة فيها ؛ يصبح واجبه اتخاذ موقف محاسبة أو مراقبة أو معارضة السلطة التنفيذية عندما تستدعي الحاجة ؛ أو تأييدها إذا اقتضت المصلحة العليا للوطن ؛ بموجب الدستور من أجل تحقيق السلام الوطني والوحدة الوطنية.
قد تبدو نظرية التعددية الحزبية مدعاة للتفرق والإنقسام ؛ ومشجعة على الاختلاف المبعثر للوحدة الوطنية. إلا أن التفكير في واجبات الأحزاب في التعددية السياسية يساعد على فهم دورها الذي لا غنى عنه في بناء أي مجتمع سياسي مدني ديمقراطي؛ ذلك لأنها: 1. تجمع المواطنين الذين كأفراد لا يقدر الفرد منهم ، سواء لعدم أو نقص معرفته ، أو ثقافته السياسية ، على القيام بتحقيق شؤون حياته ومصالحه الخاصة والعامة ؛ فيلجأ إلى الانضمام إلى حشد ( حزب سياسي ) قادر باستخدام أصوات أعضائه الانتخابية ، على دعم وتأييد استراتيجية أو سياسة أو خطة نافعة للوطن والمواطنين.
2. والأحزاب منتديات لتكوين الآراء والأفكار والاستراتيجيات الوطنية البديلة؛ 3. والأحزاب منابع معرفة وثقافة سياسية ، ومنطلقات التغيير نحو الأفضل ؛ ودوافع النمو الهادف لتحقيق المصالح الوطنية العليا؛ 4. والأحزاب مصافي لعزل الآراء الغثة .. المتطرفة .. الأنانية أو الضارة ؛ وهي وسائل الإصلاح الوطني العام؛ 5. والأحزاب وسائل جماعية للأعراب عن القضايا التي تهم المواطنين ؛ مما يساعدهم على انتخاب النواب الأفضل لتمثيلهم ورعاية مصالحهم؛ 6. والأحزاب معاهد لتدريب وإعداد القادة السياسيين ؛ ولتطوير التقاليد والآداب والأخلاق والأعراف السياسية ؛ ومن أوساطها يظهر قادة المستقبل القادرون على التحديث والتجديد؛ 7. والأحزاب منابر لصقل ملكات القادة السياسيين الجدد ومعارفهم السياسية ؛ وميادين نظيفة للتنافس الشريف للوصول إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء.
8. والأحزاب قنوات اتصال بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة ، والمواطنين من جهة أخرى ؛ لمعرفة رغباتهم وطموحاتهم ؛ والاطلاع على مصاعبهم وقضاياهم ؛ واطلاع المواطنين على ما يراد لهم من أهداف ونوايا.
9. والأحزاب حاضنات وزراء الظل الذين يختصون برقابة ومحاسبة وزارات معينة : مما يضيف إلى المقدرة والكفاءة ؛ ويحقق سهولة ويسر الحوار المنظم في مجلس الأمة.
10. والأحزاب أرحام الحكومات الحزبية أو الإئتلافية التي تشكل وزارات منسجمة ومتعاونة ؛ ويعتنقون أفكارا موحدة ؛ تحصن الحكومة ضد التفرق أو الانقسام ؛ ويمنع الأزمات الوزارية.
إذا تساوت الأشياء ؛ الشعب الأردني يتمتع بوعي عام يضاهي أرقى الشعوب في العالم. حتى الواحات الصحراوية النائية زرع جلالة الملك فيها الحواسيب التي توصلها بكل إنسان ومجتمع سياسي في الكرة الأرضية . الشعب الأردني يعرف جيدا أن نظام الأحزاب العقائدية المتطرفة يكاد يختفي من الوجود في الكرة الأرضية ؛ كما اندفعت غالبية الدول الوطنية في العالم بحماس عظيم نحو المزيد من التحديث والتجديد في الحرية والتعددية السياسية والاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
د. معن أبو نوار
http://www.alrai.com/pages.php?articles_id=29154
منقول وبتصرف من صحيفة الراي الاردنية
موضوع: فـي مفاهيم التعددية الديمقراطية 
الإثنين 18 مايو - 0:44
