يقول تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) وفي هذه المقالة نتأمل بعض الدراسات العلمية حول القرود وما يقوله الباحثون اليوم. ....
لا نريد أن نخوض في نظريات عقيمة مثل نظرية التطور التي تقول: إن الإنسان أصله قرد! وغير ذلك مما يردده الملحدون، ولكن سوف نتأمل الأبحاث العلمية الصحيحة حول هذه المخلوقات، ونثبت أن هناك اختلافات جذرية بينها وبين البشر، مع العلم أن القرود تشبه البشر في كثير من النواحي، بل هي أمم أمثالنا. وهذا ما نجد له صدى في قوله تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) [الأنعام: 38].
هناك هدف آخر أيضاً من هذه المقالة وهو أن ندرك كيف كرَّم الله الإنسان على هذه المخلوقات بالعلم والنعم التي لا تُحصى، يقول تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) [الإسراء: 70]. فعندما ندرك نعمة الله علينا، وكيف ميَّزنا على هذه المخلوقات، فلابد أن نشكر الله عز وجل، يقول تعالى: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) [النحل: 18].
والآن إلى هذه الحقائق العلمية حول مخلوقات تسبح الله، وهي القردة، وقد يستغرب البعض من هذه المقالة، فطالما كان القرد مثالاً للاشمئزاز والتحقير والتصغير، بل إن الله عندما غضب على بني إسرائيل جعل منهم القردة والخنازير، لنتأمل هذه الآيات:
1- يقول تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) [البقرة: 65].
2- ويقول أيضاً: ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) [المائدة: 60].
3- ويقول أيضاً: ( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) [الأعراف: 166].
وهذا لا ينتقص من شأن هذه المخلوقات، فهناك الفئران والصراصير والضفادع وغيرها، وكلها مخلوقات تسبح الله تعالى الذي يسبح بحمده كل شيء: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) [الإسراء: 44]. وعندما مسخ الله طائفة من اليهود فحوَّلهم إلى قردة، فقد اختار لهم أفضل وأذكى الحيوانات (وهي القردة)، والتي تشبه البشر بدرجة كبيرة، فتأملوا معي رحمة الله بعباده، حتى عندما يعذبهم يكون رحيماً بهم!
أما الخنازير فهي أيضاً تشبه البشر في كثير من النواحي، ولا تزال الأبحاث جارية على هذه المخلوقات، ومع أن الإسلام حرَّم لحم الخنزير، إلا أن هذا المخلوق هو جزء من خلق الله الذي أتقن كل شيء، يقول تعالى: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) [النمل: 88]. ولذلك لا مانع من نتأمل هذه المخلوقات وندرك عظمة الخالق تبارك وتعالى. وسوف نخصص هذه المقالة للقرود أما الخنازير فسوف نتناولها في مقالة أخرى إن شاء الله تعالى.
الحياة الاجتماعية للغوريلا تشبه حياة البشر
تعيش الغوريلا الغربية في سلام في جماعات تشبه الحياة الاجتماعية للبشر، كما أظهرت إحدى الدراسات العلمية. فقد حظيت الغوريلا الجبلية وحدها، وهي الغوريلا التي تتسم بسلوكها العدواني وضربها على صدورها بقبضتها والاقتتال، بالكثير من الدراسات العلمية التي ترصد سلوكها. ولكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن الغوريلا الغربية، وهي فصيلة أخرى من الغوريلا غير الفصيلة الجبلية، تتعامل بشكل هادئ مع القردة الأخرى. وتشير الدراسة الجديدة إلى أن الغوريلا تشترك مع الشمبانزي والإنسان في بعض الصفات السلوكية.
قام الباحثون الأمريكيون والألمان بجمع عينات من فراء وبراز الغوريلا من أعشاشها التي تستخدمها في مختلف الجماعات، وذلك من أجل تحليل الحمض النووي لها. وكشفت الفحوص أن جماعات الغوريلا التي تعيش في مناطق متجاورة، يقودها ذكور بينها روابط وراثية. وعندما يلتقي ذكر ناضج، والذي يكون لون الفراء على ظهره فضياً، بمجموعة يقودها أخوه أو أحد أقاربه، تكون هذه اللقاءات دائما سلميَّة لا عنف فيها.
وتقول الدكتورة بريندا برادلي، من معهد ماكس بلانك للأنثروبيولوجيا التطورية في ليبزيج بألمانيا: "غالبا عندما تلتقي جماعات الغوريلا الجبلية مع جماعات غوريلا أخرى في الغابات، تكون تصرفات الذكور مع ذكور الجماعات الأخرى عنيفة للغاية، بما في ذلك قيام الذكور بضرب صدورهم بقبضات أيديهم، وربما يضربون بعضهم. لقد لاحظ العلماء أنه عندما تلتقي جماعات الغوريلا الغربية، تكون تصرفاتها مع بعضها البعض مسالمة للغاية، وكان ذلك يحيّر العلماء، لأنهم اعتادوا مشاهدة الغوريلا دائما في مواقف العنف الشديد".
يعتقد العلماء أن سلوك الغوريلا المسالم في حالة الغوريلا الغربية، يشير إلى وجود روابط عائلية بين ذكور الجماعات. فعندما يغادر ذكر الغوريلا الجماعة التي ولد فيها، ويبدأ في تكوين أسرته الخاصة، يظل في نفس المنطقة التي ولد بها، ويظل محتفظاً بعلاقات مع جماعته الأصلية التي يقودها في الغالب أبوه أو أخوه. ولوحظ نفس السلوك في الشمبانزي، وهي القردة العليا الأقرب للإنسان وراثياً، مما يشير إلى أن المجتمعات البشرية الأولى تكونت بنفس الطريقة. الغوريلا هي الأكبر حجماً بين القردة العليا، وهي كذلك من بين أكثر الكائنات تعرضاً لخطر الانقراض. وقد حظيت الغوريلا الجبلية بما يكفي من الدراسات منذ الخمسينات، وهي فصيلة بقي منها 700 فرد فقط. أما الغوريلا الغربية، فهي أكثر شيوعا، ويبلغ تعدادها 94 ألف فرد تقريباً.
القردة تميَّز بين العدل والظلم!!
تستطيع القردة التمييز بين العدل والظلم حيث تبدي اعتراضها عندما يتم إعطاء قرود أخرى مكافأة أكبر على أداء نفس العمل أو نفس الحركة. فقد أكد الباحثون الأمريكيون في بحث نشر في مجلة الطبيعة، أن القرود المقلنسة تبادل الهدايا المختلفة بالطعام. فتشعر القردة عادة بالرضا عندما تستبدل "النقود" بالخيار. لكن إذا رأت القردة أن قرداً آخر حصل على كميات أكبر من الطعام فإنها تبدي بعض مظاهر الاعتراض. فيرفض بعضها القيام بأي حركات فيما يأخذ البعض الآخر الطعام لكنه يمتنع عن تناوله. وخلص العلماء من هذه الملاحظة إلى أن الإحساس الإنساني بالعدل والظلم هو إحساس فطري متوارث وليس ناجماً عن تفاعلات اجتماعية.
وتقول الباحثة سارة بروسنان "اخترت القردة المقلنسة لأنها متعاونة جدا كما أنها تعيش وسط بيئة مليئة بالتسامح فيما بينها، أجرينا تجربة بسيطة للغاية لمعرفة ما إذا كانت القردة ستردّ على التفرقة في المكافآت والمجهود." يذكر أن القردة المقلنسة تحب تناول الخيار، إلا أنها تعشق العنب. وعلى هذا الأساس، تم تقسيم القردة إلى أزواج بحيث يتم التفريق في المعاملة بين زوجي كل مجموعة عند أدائها نفس المهمة أو الحركات.
وأوضح الباحثون أن رد فعل القردة كان مثيراً للغاية. وقالت سارة تعقيبا على ذلك "كنا ننتظر رد فعل موضوعي، حصلنا عليه بالفعل. فقد رفضت القردة أداء أي مهمة أو حركة كانت تكلّف بها، ففي بعض الأحيان كانت تقوم بالمهمة لكنها ترفض المكافأة، وهو ما يعد سلوكا غير معتاد، وفي بعض الأوقات كانت تتجاهل المكافأة، وفي أحيان أخرى كانت تلتقطها ثم تلقيها بعيدا." ولم يندهش الباحثون من إحساس القردة بالعدل والظلم، لكن ما أثار انتباههم هو رفض القردة للمكافآت التي تحبها.
تقول سارة "لم تبد القردة أي رد فعل تجاه شركائها من القردة التي كانت تتلقى معاملة أفضل فلم تحاول القيام بأي تصرف تبدي من خلاله عتابها لشركائها. ونقوم حاليا بإجراء دراسة مماثلة على الشمبانزي الذي يعد من رتبة القردة العليا لمعرفة إلى أي مدى تطورت غريزة الاحساس بالعدل. أعتقد أن بعض الحيوانات الأخرى التي تعيش في بيئات تتميز بالتعاون والتسامح ستبدي نفس السلوك"، وتعقيبا على تلك الدراسة، أفاد خبراء متخصصون في هذا المجال بأن فكرة ارتقاء الإحساس بالعدل منذ زمن بعيد مثير بحق. والسؤال الآن هل غريزة الإحساس بالعدل سبق ظهور الإنسان على سطح الأرض؟
ونقول إن الله تعالى وضع في داخلنا الإحساس بالعدل والظلم، وكذلك وضعه في بقية المخلوقات، وذلك لنلمس معنى العدل، ونستشعر اسماً من أسماء الله الحسنى ألا وهو ( العدل) تبارك وتعالى، ومن عظمة الخالق تبارك وتعالى أنه أودع هذا الإحساس في مخلوقاته، وسوف يحاسبهم يوم القيامة، وفي ذلك ردّ على الملحدين الذين ينكرون البعث وينكرون الحساب!
ونقول للمشككين: من أين جاء إحساس الإنسان والحيوان بالعدل أو الظلم؟ وما هي القوة التي أودعت في داخل المخلوقات هذا النظام؟ ولماذا؟ ونجيب (لأنه لا إجابة لديهم): إن الله تعالى هو الذي خلق الكون وخلق البشر وخلق الحيوانات، وجعل في داخلها إحساساً فطرياً بالعدل والظلم، وهذا الإحساس سيقود الإنسان السوي لمحاسبة نفسه وعدم ظلم الآخرين، وليدرك أن هناك خالقاً عظيماً يراقبه ويسمعه ويراه، ولذلك فإن آخر آية نزلت من القرآن تخبرنا بأن الله لا يظلم أحداً، وأن المخلوقات سترجع إلى خالقها فيحاسبها على كل كبيرة وصغيرة، وذلك في يوم لا شك فيه، قال تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [البقرة: 281].
التجارة عند القرود