هل أنت ممن يستعينون بالنباتات لإنعاش الجو وتحسين التهوية في حجرة مكتبك أو بقاعة المعيشة في منزلك ؟ حسناً.. كم أصيصا من نباتات الظل تضع في الحجرة الواحدة ؟ اثنان ؟ ثلاثة ؟.. أو لعلك ترفع العدد إلى خمسة، لتحصل على أفضل هواء ؟ لا بأس، ولكن هذا لا يكفي! وذلك ليس رأينا، إنه رأي عالم البيئة، الدكتور بيتر دينجل، الأستاذ بجامعة موردوك بغرب أستراليا.
والثابت، أن ثمة مجموعة من المركبات العضوية سريعة التطاير، يرتبط وجودها بسوء التهوية، في المساكن والمكاتب وتتسبب في مجموعة من الأعراض المرضية، منها الإحساس بالإرهاق وضيق النفس والشعور العام بالتوعك، بغير شكوى من مرض محدد. وفي البنايات ذات التصميم المعماري الذي لا يراعي اعتبارات الصحة العامة ولا يهتم بتوفير التهوية، مثل مباني المناطق العشوائية، وتلك المؤقتة، أو المنشأة على عجل، يلجأ القاطنون إلى النباتات، لتخلصهم من الهواء الملوث، وتمدهم بآخر صالح للتنفس. ويصف الدكتور دينجل هذا التصرف بأنه غير مجد. بل هو نوع من الوهم شائع!
وقد بنى الدكتور دينجل وصفه هذا على حقيقة مستمدة من نتائج أبحاث، أجراها بهدف اختبار تأثير النباتات المنزلية على نوع من الكيماويات السامة، هو الفورمالدهيد، المادة ذات الاستخدامات المتعددة، والتي يؤدي التعرض لها إلى تهيج أغشية العين والزور، وحكة بالجلد، كما تسبب الغثيان والدوار وحالة من الخمود العام.
ويبدأ ظهور هذه الأعراض عند تلوث هواء المكان المغلق بمستوى ضئيل من الفورمالدهيد، لايزيد على 50 جزءاً في البليون، وثمة دلائل علمية أخرى على أن التركيزات الأعلى من هذه المادة، تسبب حمى القش، وتزيد من حدة حالات الربو، ويمكن أن تصيب بالسرطان.
نعود إلى تجارب وأبحاث الدكتور دينجل، الذي اختار أن يجريها في مجموعة من المساكن والمكاتب يشكو سكانها من سوء التهوية، بالإضافة إلى بعض المكاتب المؤقتة التابعة للجامعة التي ينتمي إليها، وقام دينجل ومساعدوه بقياس مستويات الفورمالدهيد في هواء هذه المساكن والمكاتب، التي تدخل هذه المادة الكيماوية المزعجة في تصنيع بعض مواد البناء بها، ومنها الخشب المضغوط وبعض المواد الرغوية العازلة، وقد تفاوتت هذه المستويات بين 10 و78 جزءاً في البليون، في حالة المساكن والمكاتب خارج الجامعة، أما مكاتب الجامعة، فقد تراوحت فيها تركيزات الفورمالدهيد بين 420 و2110 أجزاء في البليون، بينما المستوى القياسي، الذي حددته منظمة الصحة العالمية، لا يزيد على 82 جزءاً من الفورمالدهيد في بليون جزء من الهواء!
وهكذا، أثبت الباحث الأسترالي أن الفورمالدهيد، أحد الملوثات الغازية لهواء المساكن، موجود، وبتركيزات عالية، في كثير من الحالات، وكانت الخطوة التالية أن يعرف: هل يساعد النبات في التخلص من الفورمالدهيد، وكم من النباتات يكفي لهذه المهمة? ولهذا الغرض، أعد الدكتور بيتر دينجل خمس وحدات من الإسكان الإداري (مكاتب)، مساحة أرضية المكتب الواحد منها 8 أمتار مربعة، وأخذ يمد كلا منها بخمس وحدات قياسية من نباتات الظل، كل يومين، حتى وصل عدد الوحدات النباتية في كل مكتب إلى عشرين وحدة، وكان يقيس مستوى الفورمالدهيد في كل وحدة مكتبية، كل يومين أيضاً، فوجد أن مستوى الفورمالدهيد في المكاتب لم يتأثر بعد أربعة أيام، أي بعد أن حصلت كل غرفة مكتب على عشر وحدات نباتية، وأن متوسط المستوى لم ينخفض من 856 جزءاً في المليون إلى 761 جزءاً في المليون، إلا بعد إضافة 20 وحدة نباتية إلى كل غرفة، وهو انخفاض غير مؤثر بالمرة. وينوي الدكتور دينجل أن يمد برنامجه البحثي ليغطي تأثير أنواع مختلفة من نباتات الظل في ملوثات غازية أخرى، آملا في الحصول على نتائج تؤكد أو تنفي قدرة النباتات على تنقية هواء مساكننا من الملوثات الغازية المختلفة.