لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
اخر بقعة ارض للمسلمين في الاندلس
.
مملكة غرناطه و ملوكها الغرباء!
أبو عبد الله بن الحكيم وأمور يندى لها الجبين
في سنة 701 هـ= 1302 م يموت ابن الأحمر الفقيه ويتولى من بعده محمد الثالث، والذي كان يلقب بالأعمش، وكان هذا رجلا ضعيفا جدا، وقد تولى الأمور في عهده الوزير أبو عبد الله بن الحكيم الذي ما هو بحكيم، حيث كانت له السيطرة على الأمور في بلاد غرناطة، وكان على شاكلة من سبقه في مراسلة ملك قشتالة والتحالف معه.
لم يكتف أبو عبد الله بن الحكيم بذلك، لكنه زاد على السابقين له في هذه المحالفات وغيرها بأن فعل أفعالا يندى لها الجبين، كان منها أنه جهّز جيشا وذهب ليقاتل، تُرى يقاتل من؟ أيقاتل النصارى الذين هم على حدود ولايته وقد فعلوا الأعاجيب، أم من يقاتل؟
كانت الإجابة المخزية أنه ذهب بجيشه واحتلّ سبتة في بلاد المغرب، ذهب إلى دولة بني مارين واحتلّ مدينة سبته حتى يقوي شأنه في مضيق جبل طارق.
وفي سبيل لزعزعة الحكم في بني مارين، وبعد اعتماده في حكمه تماما على ملك قشتالة، فقد فعل ما هو أشدّ من ذلك، حيث راسل رجلا من بني مارين وأمدّه بالسلاح ليقوم بانقلاب على يوسف بن المنصور، وقامت فتنة في بني مارين.
وإنه ولا شك غباء منقطع النظير، أمر لا يقره عقل ولا دين، لكن هذا ما حدث، فكانت النتيجة أنه بعد ذلك بأعوام قليلة سقوط جبل طارق في أيدي النصارى، وذلك709 هـ= 1309 م وعُزلت بالكلية بلاد الأندلس عن بلاد المغرب، وتركت غرناطة لمصيرها المحتوم.
انقطع الآن النصر الذي كان يأتي ويستورد ويعتمد عليه سنوات طويلة على بلاد المغرب، انقطع عن شعب وحكام غرناطة الذين كثيرا ما ألفوه بينهم، وتُركوا لحالهم ولشأنهم.
وطيلة ما يقرب من مائتي عام، ومنذ سنة 709 هـ= 1309 م وحتى سنة 897 هـ= 1492 م من الهجرة ظل الحال كما هو عليه في بلاد غرناطة، معاهدات متتالية من أبناء الأحمر وملوك غرناطة مع ملك قشتالة، تسليم وجزية، وخزي وعار، سنوات طويلة لكنها وسبحان الله لم تسقط.
وكان السر في ذلك والسبب الرئيسي والذي من أجله حفظت هذه البلاد (وهي من غير مدد ولا عون من قبل بلاد المغرب)، هو وجود خلاف كبير وصراع طويل كان قد دار بين مملكة قشتالة ومملكة أراجون (المملكتان النصرانيّتان في الشمال)؛ حيث تصارعا سويا بعد أن صارت كل مملكة منهم ضخمة قوية، وكانتا قد قامتا على أنقاض الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس...
وقفة مع غرناطة وعوامل ثباتها طيلة هذه الفترة: "التاريخ الأندلسي"
(كانت غرناطة تتردد بين القوة والضعف وبين الهزيمة والثبات وبين الأمن والقلق وبين الهدوء والاضطراب، رغم ذلك في الداخل كانت - خلال عمرها البالغ حوالي قرنين ونصف - تمتليء بالإنتاج، كما تطفح بالخير والرفاه، توفرت لها ايام مشهودة في الانتصار والغلبة، مع قلة الإمكانيات وقسوة الظروف وكثافة الأعداء.
في هذه الظروف - وحتى مع الأيام العصيبة والانشغال - استطاعت أن تسير في الموكب الحضاري، على قدر ما أوتيت من إمكانيات، وأن تقدم ألوانًا عديدة من الانجاز، مما يدل على حيوية هذه الأمة المسلمة واستعدادها للعمل والإنتاج، بقدر ما لديها من معاني الإسلام وما تمتلك من رسوخ عقيدته.
إن الذي أصاب المسلمين بتقصيرهم وتخاذلهم حين الهبوط عن المستوى الكريم الذي أراده الإسلام كان أكثر مما أصابهم من عدوهم. مع اعتبار أهمية هذا الأخير في الإشغال والاستنزاف والإطباق من كل جهة، ينتقص من أطرافها ويأكل وجودها ويطحن حضارتها، ترابًا تذروه رياحها العاصفة.
أول إنجاز هو الاستعداد - في تلك الظروف - للمحافظة على ما تبقى للأندلس من ارض، تأوي إليها البقية الباقية، والسير في الوجهة القويمة على قدر. بعض هذه الانجازات كانت موجودة واستمرت، وبعضها الآخر وجد أيام غرناطة. وجدت أيامها "مشيخة الغزاة"، التي خلّفت تلك البطولات، بجانب الانتصارات الأخرى.
أمكن الحفاظ على التكوين والبناء الاجتماعي في عدد من الجوانب، ولو بحدود تضيق أو تتسع. وهو الذي ساعد على الوقوف في هذا الخضم الصعب لعدة أجيال. كما أن الآفاق والقيم التي رعاها وحافظ عليها انتجت بناءًا حضاريًا كبيرًا في مختلف الميادين، قد تغور أحيانًا بعد ان كانت تفور.
في العلوم المتعددة الحقول، قدمت التآليف الكثيرة والإنتاج الضخم، كما حافظت على ما خطته يد العلماء الذي سبقوا وانتفعت بهم.
نجد ثبتًا طويلًا من أسماء اللامعين بعضها في الإحاطة لابن الخطيب (773) وفي نفح الطيب للمقري (1041) كما أنشئت المدارس ومعاهد العلم الأخرى في كل ناحية، وتوفرت الاختراعات، من مثل: المدافع التي ترمي نوعًا من المحروقات، وتحويل البارود إلى طاقة قاذفة، عنهم انتقلت إلى أوربا. لم يزل متحف مدريد الحربي يحفظ حاليًا البنادق التي استعلمها المسلمون في دفاعهم عن غرناطة.
وفي الصناعات ازدهرت أنواع كثيرة فقد كانت هناك صناعة السفن ثم الأنسجة وصناعة الورق والفخار المذهب العجيب، وأنتجت الكثير في ميدان الأصباغ والدباغة والجلود وصناعة الحلي، والصناعات الفنية الدقيقة.
كذلك برزت بالزراعة ووسائل الري والعناية بها وأنواع المزروعات.
ثم الجانب العمراني المتمثل في المباني المختلفة كالمساجد والقصور والدور والقناطر. وقصر الحمراء الذي ما زال باقيًا، مزينًا بالنقوش التي تدل على فنية ماهرة رائعة. كذلك المباني الحربية المتعددة...
للتنظيمات المختلفة في المجتمع والدولة أهميتها، فقد غدت مدينة غرناطة في وقتها من أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومبانيها ومرافقها المتنوعة، وكانت تضم حوالي مليون نفس، وتصدر كثيرًا من الصناعات إلى عدة بلدان، منها الأوربية.
وظهرت آثارها على هذه البلدان الأوربية في بعض المسائل الأخرى المعنوية، فانتفعت - إلى حد - بالفروسية التي كانت لها الحفلات الرائعة المتفننة، بما تحتويه من ضروب البراعة والرشاقة والأعراف.}} "التاريخ الأندلسي - عبد الرحمن الحجي"
غرناطة قبيل السقوط
في دراسة للوضع في آخر الخمس والعشرين سنة المتبقية من المائتي عام قبل السقوط النهائي لغرناطة وللدولة الإسلامية بصفة عامة في الأندلس، والذي كان يُعد (خلال المائتي عام) عهد خمول ودعة، وركون إلى معاهدات مخزية مع النصارى، تبدلت الأحوال (في الخمس والعشرين سنة الأخيرة من السقوط)، والتفت النصارى إلى غرناطة بعد أن كانوا قد شُغلوا عنها بحروبهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأندلس بالكلية.
مملكة غرناطة وممالك النصارى نحو الفرقة ونحو الوحدة