لا يزال الإنسان يصر على استكشاف الفضاء حجته في ذلك إشباع نزوته العلمية.. فهل يا ترى حسب حسابا للمجهول الذي قد ينتظره..
التقرير..
في عام 2200 م وبعد أن اكتملت التجهيزات اللازمة انطلقت أول مركبة فضائية تحط على ذلك الكوكب البعيد نحو هدفها.. انطلقت وعلى متنها ثمانية من رواد الفضاء الأكفاء.. كان ذلك الغزو الثاني للفضاء بعد سقوط القمر تحت عجلة العلم في سلسلة الإشباع اللانهائي للفضول البشري.. كانت العملية ناجحة بكل المقاييس.. تابعها علماء المركز الأرض بكل فخر وانتباه.. وصفقوا عند كل مشهد من مشاهدها مهنئين بعضهم البعض بذلك النجاح الباهر.. لم يبق إلا القليل ويعرف العالم كله دقائق ذلك الكوكب المجهول.. فبفضل الأجهزة العلمية الراقية التي ولدها الذكاء البشري سيتمكن أولئك الرواد من معرفة كل صغيرة وكبيرة على ظهر ذلك الكوكب تمهيدا لسيطرة الإنسان عليه..
وداخل المركز الأرضي..
- سيدي الرئيس لقد انقطع الاتصال بالمركبة بمجرد دخولها إلى فضاء الكوكب..
انطلقت تلك الجملة من أقصى القاعة وكان المقصود بها المشرف العام على المركز..
- كيف حدث ذلك..
- يبدو أن في فضائه شيئا ما نجهله تسبب في قطع الاتصال بيننا وبين المركبة..
لم يكن أمام علماء المركز الأرضي إلا الرضوخ لتلك المشكلة الطارئة على أمل أن تعود المركبة بعد اليومين المقررين لها على ظهر ذلك الكوكب بالتقرير الذي سيتضمن جميع المعلومات المطلوبة وأولها التفسير المناسب لذلك الانقطاع المفاجئ..
الساعة 12:00 بعد منتصف الليل.. بعد مرور يومين على انطلاق المركبة من الأرض رصدت الأقمار الصناعية ذلك الانفجار المكتوم الذي حدث في الفضاء.. وقبله بثواني قليلة وصل التقرير إلى المركز على شكل رسالة مشفرة.. وكانت مفاجأة لعلماء المركز الذين لم يتوقعوا وصوله على تلك الصورة.. كما ولد الانفجار في داخلهم المزيد من الاستفسارات.. كانوا ينتظرون بلهفة عودة المركبة بعد اليومين المقررين لها سالمة غانمة لكي يتمكنوا من إكمال تصفيقاتهم الحارة لغرور الإنسان.. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن..
أحاطوا بالتقرير بلهفة وبدؤوا في قراءته..
الساعة 3:00 صباحا.. بمجرد دخولنا فضاء الكوكب القاتم انقطع الاتصال بالأرض.. كان ذلك أول لغز يواجهنا.. أقنعنا أنفسنا بدراسته فيما بعد.. كنا في قمة التصميم على إكمال المهمة التي جئنا من أجلها..
الساعة 4:00 صباحا.. حطت مركبتنا بنجاح على سطح الكوكب.. كانت فرحتنا لا توصف بالخطوات القليلة التي تفصلنا عن أرضيته الغريبة.. تناولنا فطورنا في عجالة بفضل نظام التهوية الذي مدنا بالأكسجين.. كنا في قمة الشوق إلى ملامسة الأرضية الجديدة بأقصى سرعة ممكنة فلم نجد للطعام المجمد طعما..
الساعة 5:00 صباحا.. بعد أن اكتمل تجهيزنا فتحنا الباب ونزلنا الواحد تلو الآخر بعد أن أخفى كل منا رأسه داخل قناعه الأكسجيني.. اكتشفنا عالما غريبا.. صخورا عجيبة.. وفضاء غريبا.. وأرضية مثيرة للاشمئزاز.. ولكننا كنا في قمة السعادة والاستمتاع بذلك الاكتشاف..
الساعة 8:00 صباحا.. عدنا بعد جولة قصيرة على ظهر الكوكب للاستمتاع بقليل من الراحة قبل بدأ مهمتنا الحقيقية.. أغلقنا باب المركبة خلفنا فبدأ نظام تنقية فضاءها في العمل.. كان علينا الانتظار دقيقتين قبل نزع أقنعتنا.. كنت أرى السعادة تطل من الأعين الفرحة خلف زجاج الأقنعة.. انتشرت روح الدعابة بيننا في تعبير واضح عن مدى غبطتنا بذلك الإنجاز..
الساعة 8:10 صبحا.. دوى صفير خافت إيذانا بإمكانية نزع الأقنعة عن رؤوسنا.. لم أنزع قناعي بسرعة على غرار زملائي فرأيتهم يتساقطون أمامي كالذباب.. أدركت أن ذلك القناع الزجاجي قد حماني من خطر لا يرحم..
اقتربت بخطوات ثقيلة من جثث زملائي والدهشة تكبل كياني.. قلبتها الواحدة تلو الأخرى.. المساكين كانوا في قمة الانشراح قبل دقائق ولم يعلموا بأن الموت يتربص بهم ليحصدهم بتلك الطريقة..
الساعة 10:00 صباحا.. أدركت ما قد يحل بي إن أنا نزعت القناع عن وجهي.. كان ما أواجهه خطرا لم يضعه أي منا في الحسبان.. كان نوعا من الحياة لم نتصور إمكانية حدوثه على ظهر الكوكب لننا نظرنا إلى الأمور بطبيعتنا القاصرة فلم نر للحياة مكانا إلا في ظروف مثل ظروف كوكبنا.. ويا له من خطأ..
أدركت أنني أواجه خطرا لا مرئيا جلبناه معنا من سماء الكوكب إلى داخل المركبة.. مخلوقا أو فيروسا –سأسميه كذلك- غريبا يسبح في فضاء المركبة ويملأه.. فيروسا سبقنا بآلاف السنين إلى كوكبه وانتقل معنا إلى داخل المركبة بعد تلك الجولة القصيرة ليفتك بنا قبل أن يقدم لنا نفسه..
الساعة 11:00 صباحا.. بما أنني جئت في مهمة اكتشاف لهذا الكوكب فهي فرصة مرعبة للتعرف على صاحبه.. وبما أن المركبة مجهزة بالأدوات الضرورية فسأشرع في ذلك فورا..
الساعة 11:30 صباحا.. بدأت عملية اكتشاف الفيروس والتعرف على خصائصه وقدراته ودراسة الفرق بينه وبين الفيروسات التي نعرفها على الأرض.. ملأت قارورة من هواء المركبة الملوث وقمت بتحليلها.. كانت النتائج مذهلة.. إنه يتكاثر بطريقة غريبة لم أر أسرع منها.. فهذه القارورة التي بين يدي لو فجرت في سماء الأرض لكانت كفيلة بانتشار الفيروس فيها بعد دقائق معدودة..
الساعة 12:00 ظهرا.. بعد أن انتهيت من دراسة ذلك المخلوق القاتل بدأت في دراسة إمكانية نجاتي فوجدت أن الإحتمالات هي صفر بالمائة.. إن أنا عدت إلى الأرض بالمركبة الملوثة فإنني أكون بذلك قد حكمت عليكم بالإعدام.. أما بقائي على سطح الكوكب فمرهون بكمية الأكسجين المخزنة داخل البذلة التي أرتدي.. دون نسيان أن الماء والطعام قد أصبحا حلما بسبب القناع الذي كان السبب في نجاتي من ذلك المخلوق..
الساعة 2:00 بعد الظهر.. كانت نهايتي في جميع الحلول فقررت الاستعانة بأسلحة المركبة المدمرة التي زودتمونا بها لمواجهة فضائية محتملة من أجل تدمير نفسي والمركبة.. وحتى تدركوا ما حدث يجب أن يصلكم التقرير.. لكن مشكلة انقطاع الاتصال كانت عقبة في طريقه.. شيء ما في فضاء الكوكب هو المسئول عن ذلك الانقطاع.. ومن اجل أن يصلكم التقرير يجب أن تخرج المركبة بأي ثمن من فضائه المشئوم.. قمت بتجهيز بعض القنابل داخلها لتنفجر بمجرد مغادرتها لفضائه.. وقبل الانفجار بثواني قليلة سيعود الاتصال ويصلكم التقرير..
الساعة 3:00 صباحا.. جلست أنتظر لحظة الإقلاع المبرمجة بعد يومين من وصولنا إلى الكوكب.. جلست أنتظر نهايتي الحتمية.. تذكرت إفطاري الأخير على ظهر هذا الكوكب.. كان العطش يزعجني.. ما أغرب الحياة.. بالأمس كنت بين أهلي وأصدقائي واليوم أنا سجين هذا المخلوق الغريب.. سأنتظر الساعات المتبقية قبل الانطلاق نحو الأرض التي لن أبلغها أبدا..
ولكن.. حتى يحين موعد تلك النهاية الحزينة لا بأس من إكتشاف هذا الكوكب قليلا وتسلية نفسي بمناظره العجيبة التي سأدعكم تتخيلونها.. سأستمتع قليلا بهذا العالم الجديد الذي جعلني أعرف أن في هذا الكون المترامي الأطراف أشياء لا تعنينا نحن البشر.. وان الحياة في كل شيء من حولنا..
الوداع..