معاق.. لا عاق!
هاهو (شخص) آخر!.. لا يقوى على حمل جسده برجليه التي خلقها الله له رغم أنها مازالت موجودةً في جسده!، لكنها بلا حراك!، ساكنة فقط،
هاهو يقف بعربته الصغيرة التي يقعد عليها عاجزًا عن فعل أي شيء.. فمدخل السكن الذي كان يريد أن يدخله مرتفع عن الأرض بمقدار 20 سنتيمترا تقريبا!
نظرت إليه من بعيد!
بدا عليه وكأنما هو ماكثٌ من مدة طويلة!
أسمع صرخة في داخله!.. أسمع بكاءًا..!
كيف؟؟ رجل! بكل هذه الضخامة!.. بكل هذا العقل الذي وهبه الله له رغم إعاقته لا يقوى على فعل أي شيء أمام هذا الموقف!
20 سنتيمترًا فقط-والله!
وينظرُ إليها كأنها جبل!.. ينظر إليه من أعلى !
رصيفٌ تافه!.. حجر!.. تراب.. سبحان الله!
اقتربت أكثر..
لم أكن أدرك سر مكوثه بهذه الطريقة!.. ما به؟!!.. ربما ينتظر أحدا!.. اقتربتُ أكثر فألقيت عليه التحية، رد عليّ بابتسامته الجميلة المعهودة، هو هكذا دومًا.. كأنما يذكر الله حتى فيسكوته!.. كل من يقترب منه يسمعُ حمدًا خارجًا من فيه!.. يسمع رضًا بقضاء الله.. يسمع شكرا وطمأنينة لا تضاهيها في الكمال!
سألته عن حاله فأجاب كعادته أيضا بالحمد! لكنه حمدٌ مختلفٌ عن حمدِ الناس!
وكأنما يرد بقلبه! حمد يتسلل إلى القلب كالسهم!
حمد قوي!.. رهيب.. وربما مهيب!
كان فضولي يدفعني لأن أسأله السؤال الذي كان يدور في خاطري: ما بك تقف هنا..؟!
لكنني تحرجت بعض الشيء.. ولا أدري لمَ..
جاءت لحظة صمت.. ربما كنت أفكر في سؤالي.. وهو يفكر في سؤاله أيضا!
وكل منا يفكر فيما لا يخطر على بال الآخر
كل منا يعتقد بأن الآخر سيفعل شيئا ما-أو سيقول- قبل أن يتلقى إشارة!
لكن.. لا شيء.. فقط ننتظر تبدد الصمت الجميل
هنا.. نطق!:
"ممكن تطلعني؟"
سمعته حينها أم لم أسمعه!.. لا أدري!
سهمٌ.. دخل قلبي بسؤاله!!.. ربما جرحني.. لا!.. بل جرحني!
وقفتُ مشدوها كالذي لم يسمع!
أو كالذي سمع ولم يفهم!
خرج سؤاله كالرصاصة التي اخترقت صدري!
كأني أقول له: "معقول؟"
ربما أحسّ هو بما يختلجه عقلي!
فمرت عليه لحظة أشبه بالموت.. لكنه-وهكذا هو دومًا- يكفن نفسه بكفن الحمد!.. وربما يموت في اليوم أكثر من مئة مرة!
...
أطلعته الرصيف بعربته رغم عجزي عن النطق بأي كلمة!
ربما ابتسامة كاذبة لا تبرر المساحة التي عرضتها في وجهي!
ودارت تساؤلات تنخر عقلي!
كيف!
لماذا!
وأنا!
هو!.. معاق.. يحمد الله ويشكره في كل لحظة.. يواظب على الصلاة في المسجد.. وفي الصف الأول!.. يجاهد لرضا ربه.. معاق!!
وأنا.. لماذا..؟ لماذااا!
هو.. معاق.. كيف يتوضّأ.. كيف يقوم لصلاة الفجر ويلبس ويغير ثيابه ليصطف في الصف الأول..
كيف يحمد الله ويشكره ويثني عليه في السر والعلن..
كيف يرضى بكل مرضه.. بل كأنه لا يبغي أكثر من هذا.. رجلٌ بلا رجل.. ما المانع..!
الحمد لله..
وأنا..! وأنت..! وأنتِ؟
ااه!
...
شكرني!
ودعته بالسلام
وودعني بالسلام والدعاء!
ذهب..
وذهبت..!
أو عجزت!
نعم عجزت!
فقط!
توقفت أنظر في إعاقتي أنا!