يجهل كثير من
المحامين أصل الجبة السوداء. رغم أنها جزء من حياتهم العملية. إذ لا يمكنهم الوقوف
أمام منصة المحكمة دون ارتداء هذا الزي الرسمي الذي أصبحت تبزنس في ثمنه بعض
الأطراف.
تختلف
الروايات حول أصل وتاريخ الجبة السوداء، كلباس لصيق بمهنة الدفاع عن المظلومين.
فحسب الأستاذ عبد الوهاب دلهوم، محام لدى المجلس، يعود أصل هذا اللباس إلى الكنيسة.
كان القديس
أوغستين أول من كوّن مجموعة من تلاميذها للدفاع عن مواطنين غير قادرين على الدفاع
عن أنفسهم رغم أنهم أبرياء.
وكان لهذا
القديس عصا يرتكز عليها في تنقلاته مما جعله يلقّب بالنقيب. وتقول قصة أخرى، روتها لنا المحامية مريم لعراوي، إنه كان في روما القديمة،
مواطن في طريقه إلى المخبزة، حيث يعمل، فوجد جثة لشخص ميت، فأبلغ عنها الشرطة،
لكنه سرعان ما وجد نفسه متهما بالقتل. ووضع في السجن في انتظار محاكمته. وخلال
الفترة التي كان فيها وراء القضبان، تملّكه حزن شديد، فلبس جبة سوداء تعبيرا عن
حزنه وقطعة قماش، ذات لون أبيض، لفّها حول رقبته أملا في الخروج من السجن يوما ما.
وأثناء المحاكمة استفاد الخباز من البراءة.
وفي رواية
ثالثة، تعود لسنة 1971 وبالتحديد في فرنسا، كان أحد القضاة جالسا في شرفة منزله
يستنشق الهواء، وبالصدفة شاهد مشاجرة بين شخصين انتهت بقتل أحدهما في حين فر
الفاعل. حينها أسرع أحد الأشخاص إلى مكان الجريمة، وأخذ الضحية إلى المستشفى
لإسعافه إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة. واتهمت الشرطة الشخص بالجريمة. وشاءت الصدف
أن يكون القاضي هو رئيس الجلسة وعاقبه بالإعدام في ظل غياب الأدلة والقرائن. ولكن
ظل ضمير القاضي يؤنّبه إلى أن اعترف، أمام الرأي العام، بأنه ظلم المتهم. وفي يوم
من الأيام، نظر نفس القاضي في إحدى القضايا المطروحة أمامه ووجد محاميا يرتدي جبة
سوداء أثناء الم،ءافعة، ولما استفسره الأمر، ذكره بما صدر منه في حق شخص بريء.
ومنذ ذلك الحين اعتمدت الجبة السوداء زيا رسميا للدفاع عن المتهمين (المظلومين) في معظم دول العالم.
أما في
الجزائر، فقد بدأت خياطة جبة المحامي سنة 1971، على يد عمي عبد الله مزيو، صاحب
محل لخياطة الزي الرسمي الخاص برجال القانون بشارع محمد بلوزداد بالعاصمة، وذلك
قبيل افتتاح السنة القضائية آنذاك، واستجابة لتعليمات الرئيس الراحل هواري بومدين،
الذي رفض استيراد هذا الزي الرسمي من الخارج.
وكشف الخياط
أن أنامل يديه صنعت، منذ بداية عمله في هذا المجال، حوالي 7000 جبة، لمختلف الجهات القضائية، إضافة إلى أفراد الجيش الشعبي الوطني.
ومن بين
القضاة الذين لبسوا أول زي رسمي خاص بالمحامين، صممه الخياط عبد الله مزيو، هو
السيد محمد طٍفية، وزير العدل الأسبق، إلى جانب قضاة آخرين معروفين في تلك الفترة،
كالسادة بن بأحمد وصالح رحماني، مدير المدرسة العليا للقضاة سابقا.
واعتمد
محدثنا، آنذاك، على وسائل محتشمة في الخياطة لندرة القماش المخصص للجبة من نوع
الحرير، خصوصا بعد توقف مصنع القماش ببسكرة، وأصبح يستورد اليوم من بعض الدول
الأوروبية.
من جانب آخر،
أكد لنا مزيو أن بعض رجال القانون أكدوا له أنهم ذهبوا ضحية البزنسة التي طالت هذا
الزي. إذ اشتروه بمقابل تجاوز المليون سنتيم، في حين يتراوح سعره الحقيقي بين 7500
إلى 9000 دينار. ولا تتجاوز مدة خياطة جبة سوداء واحدة يومين يبلغ عندهما شعور عمي
عبد الله بالسعادة منتهاه.
هذا وقد
شاركنا الحديث السيد العيد مفتاح، خيّاط تتلمذ على يديه سنة 1990. وجدناه منهمكا في وضع الأزرار على جبة، كآخر مرحلة، لتصبح جاهزة للاستعمال بعد
التصميم والخياطة والكي. عبّر لنا مفتاح عن سعادته بممارسة هذه المهنة لأنها تساهم
في تقديم خدمة للعدالة.
الجدير
بالذكر، أنه لا توجد سوى ثلاث محلات لخياطة هذا الزي على المستوى الوطني. اثنان
بالعاصمة وثالث بولاية عنابة، تشرف عليه امرأة يقول بشأنها بعض المحامين إنها تتقن
تصميم الجبة بشكل جيد، وقد تنافس الخياط الفرنسي بوسكي، صاحب محل لخياطة الجبة
السوداء بباريس.