وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَنْدُوبِينَ إِلَى الْغَزْوِ ..
وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَنْدُوبِينَ إِلَى الْغَزْوِ عِنْدَ قيام النفير: {انفروا خفافا وثقالا} قِيلَ: شُيُوخًا وَشَبَابًا وَقِيلَ: أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ وَقِيلَ: عُزَّابًا وَمُتَأَهِّلِينَ وَقِيلَ: نُشَّاطًا وَغَيْرَ نُشَّاطٍ وَقِيلَ: مَرْضَى وَأَصِحَّاءَ وَكُلُّهَا سَائِغٌ جَائِزٌ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ الشَّبَابَ وَالْعُزَّابَ وَالنُّشَّاطَ وَالْأَصِحَّاءَ خِفَافٌ وَضِدَّهُمْ ثِقَالٌ
وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قِيلَ: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَقِيلَ: الْعَارِيَّةُ أَوِ الْمَاءُ أَوِ النَّارُ أَوِ الْكَلَأُ أَوِ الرَّفْدُ أَوِ الْمَغْرَفَةُ وَكُلُّهَا صَحِيحٌ لِأَنَّ مَانِعَ الْكُلِّ آثِمٌ
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ على حرف} فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَيْ لَا يَدُومُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَيْ عَلَى شَكٍّ وَكِلَاهُمَا قَرِيبٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى دِينَهِ وَلَا تَسْتَقِيمُ الْبَصِيرَةُ فِيهِ
وَقِيلَ: فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثُ آيَاتٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِائَةُ قَوْلٍ قَوْلُهُ: {فاذكروني أذكركم} {وإن عدتم عدنا} {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَيْسَ مَحْظُورًا عَلَى الْعُلَمَاءِ اسْتِخْرَاجُهُ بل معرفة واجبة ولهذا قال تعالى: {وابتغاء تأويله} وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ تَأْوِيلًا سَائِغًا فِي اللُّغَةِ لم يبينه سبحانه والوقف على قوله: {والراسخون} قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَعَالِي: إِنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَغَلَطٌ
فَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمُخَالِفُ لِلْآيَةِ وَالشَّرْعِ فَمَحْظُورٌ لِأَنَّهُ تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ مِثْلُ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَرَجَ البحرين يلتقيان} أنهما علي وفاطمة {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما
وكذلك قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} إِنَّهُ مُعَاوِيَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو القاسم محمد بْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ لَا يُحْسِنُونَ الْقُرْآنَ تِلَاوَةً وَلَا يَعْرِفُونَ مَعْنَى السُّورَةِ أَوِ الْآيَةِ مَا عِنْدَهُمْ إِلَّا التَّشْنِيعُ عِنْدَ العوام والتكثر عند الطغام لِنَيْلِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُطَامِ أَعْفَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْكَدِّ وَالطَّلَبِ وَقُلُوبَهُمْ مِنَ الْفِكْرِ وَالتَّعَبِ لِاجْتِمَاعِ الْجُهَّالِ عَلَيْهِمْ وَازْدِحَامِ ذَوِي الْأَغْفَالِ لَدَيْهِمْ لَا يَكْفُونَ النَّاسَ مِنَ السُّؤَالِ وَلَا يَأْنَفُونَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْجُهَّالِ مُفْتَضِحُونَ عِنْدَ السَّبْرِ وَالذَّوَاقِ زَائِغُونَ عَنِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ التَّلَاقِ يُصَادِرُونَ النَّاسَ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ وَيَخْتَطِفُونَ مَا عِنْدَهُمُ اخْتِطَافَ السِّرْحَانِ يَدْرُسُونَ بِاللَّيْلِ صَفْحًا وَيَحْكُونَهُ بِالنَّهَارِ شَرْحًا إِذَا سُئِلُوا غَضِبُوا وَإِذَا نُفِّرُوا هَرَبُوا الْقِحَةُ رَأْسُ مَالِهِمْ وَالْخَرَقُ وَالطَّيْشُ خَيْرُ خِصَالِهِمْ يَتَحَلَّوْنَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَتَنَافَسُونَ فِيمَا يُرْذِلُهُمْ الصِّيَانَةُ عَنْهُمْ بِمَعْزِلٍ وَهُمْ مِنَ الْخَنَى وَالْجَهْلِ فِي جَوْفِ مَنْزِلٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وقد قيل:
مَنْ تَحَلَّى بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ
فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الِامْتِحَانِ
وَجَرَى فِي السِّبَاقِ جَرْيَةَ
سُكَّيْتٍ نَفَتْهُ الْجِيَادُ عِنْدَ الرِّهَانِ
اسم الكتاب:
البرهان في علوم القرآن
المؤلف:
أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي
الفن:
علوم القرآن
عدد المجلدات:
4
للاطلاع على الكتاب إليكم الرابط:
http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=372