تناول
البحث القصص لدى العرب عشية ظهور الإسلام، وتحدث عن مفهوم القصص في
التوراة والإنجيل والقرآن، وموقف القرآن والرسول r من القصص، وطبيعته في
عهد النبي r، ثم تطوره بعد وفاة النبي r، ودور القصاص في التطورات
السياسية وعلاقتهم بالسلطة، وعلاقة روايات القصاص بالمدرسة التاريخية،
ودور القصاص في نشأة التاريخ عند العرب والمسلمين.
كان
للعرب في الجاهلية قصص يلهون به ويسمرون عليه، وكان القصص مظهراً من مظاهر
الفن العربي الجاهلي، ومرآة صافية لطبيعة عاداتهم وتقاليدهم، وساد لدى عرب
الجنوب والشمال قصص تناول أخبار ملوكهم وشعوبهم وعاداتهم ومعاركهم.
اعتمدت
الثقافة العربية الشعر في توثيقها، فالشعر أقدم عهداً من النثر، وهو أول
مظهر من مظاهر الفن في الكلام، وقيل إن أول من ذكر الوقائع في شعره
المهلهل بن ربيعة التغلبي (ت 530م)، في قتل أخيه كليب، وكان من أشهر شعراء
الجاهلية عدي بن زيد العبادي (ت 587م) وأمية بن أبي الصلت (ت 628م).
وكان
القاص يقوم مقاماً مهماً إلى جوار الشاعر في الصحراء المترامية التي كان
الناس فيها بحاجة إلى ما يسد فراغهم، واشتهر في الفترة الجاهلية العديد من
القصاص ومنهم وكيع بن سلمة الإيادي، والنضر بن الحارث الذي كان على اطلاع
واسع بالثقافة الفارسية، والكتب القديمة، واستخدم قصصه في محاربة دعوة
محمد r، ومنهم أيضا خالد بن سنان العبسي، وقس بن ساعدة الإيادي، وزيد بن
عمرو بن نفيل، ويلاحظ على هؤلاء القصاص اطلاعهم على الكتب السماوية
القديمة.
كان
من أشهر قصاص الجاهلية أيضا الكهان، فقد كانوا عبارة عن قصاص دينيين لهم
مكانتهم وعلمهم وحكمهم، واجتمع اليهم الناس، وطلبوا مشورتهم وذلك لتنبئهم
بأمور الغيب التي يحبها الناس بالفطرة ويقبلون عليها، ومن أشهر هؤلاء
الكهان شق وسطيح كاهناً اليمن المشهوران.
ساهمت
أيام العرب في إثراء معلومات القصاص عن تراث القبائل في بواديهم ولعب
القصاص دوراً هاماً في بث روح الحماسة عند المقاتلين في المعارك فقد كان
قادة القبائل يحضون الناس من خلال إظهار الفروسية والبطولة والشجاعة، هذا
وقد عمل القصص في الجاهلية على تعليم الناس أمور حياتهم، وضرورة التحلي
بالأخلاق، وكذلك التعرف على تراث السابقين، وأحوال الأمم.
وحينما
جاء الإسلام حارب بشدة القصص الشعبي، بل الغاه وشجع القصص الديني، ووردت
كلمة القصص في القرآن في 21 موضعاً أفاد معظمها معنى الإخبار والحديث عن
الأمم السابقة من خلال الحديث عن الأنبياء والرسل، وربط الأقوام بالرسل،
وحفل القرآن الكريم بالعديد من القصص الديني التاريخي، وعدت مادة القرآن
مادة القصص الأولى في بداية الإسلام وذلك من خلال قراءة القرآن، وتفهم
معانيه وحفظه، ثم اعتمد فيما بعد على أحاديث الرسول r ورواياته ومعاملاته،
وشكلت سيرة النبي r مادة كبيرة للقصص والقصاص.
ويبدو أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين كلمة الذكر والوعظ، وكلمة القصص، وظهر هذا جلياً في الروايات التي أكدت هذا الترابط.
أثبتت
المصادر وجود القصاص في أيام سيدنا محمد r، ومن أشهرهم عبد الله بن رواحة
(ت8هـ- 628م) وتميم الداري (ت40هـ-660م) واللذان أقر النبي r قصصهما، وكان
النبي r يستخدم القصص في المعارك من خلال الموعظة المعتمدة على آيات
القرآن لتليين قلوبهم، هذا وقد هدف القصص في عهد النبي r إلى أمور كثيرة
منها ترسيخ العقيدة والدعوة للتفكير والتدبر والعظة.
أصبحت
الحاجة ملحة إلى القصص بعد اتساع رقعة الإسلام ودخول أجناس مختلفة فيه
وذلك لفهم الآيات والإرشادات المهمة في القرآن، وتم ذلك من خلال الرجوع
إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول r وتوجه البعض إلى سؤال من أسلم من أهل
الكتاب. وكان من أشهرهم، عبد الله بن سلام (ت43هـ-662م)، وكعب الأحبار
(ت32هـ-653م)، وتميم الدراي (ت40هـ-660م)، ووهب بن منبه(ت114هـ- 732م)،
ومحمد بن كعب القرظي (ت108هـ-726م)، وغيرهم.
كان
القصاص على اطلاع واسع بالقرآن وأسباب نزول آياته، والكتب السماوية
القديمة، كما كان لهم اطلاع على السيرة النبوية، وعُدُّو من رواتها
الأوائل.
وبعد
أحداث الفتنة الأولى، وانقسام الأمة على نفسها، وظهور الدولة والفرق
المعارضة، بدأ تسييس الدين من قبل الجميع لأغراض حزبية، فظهر القصص الديني
المسيس لدى الدولة والمعارضة، وقامت الدولة بالتدخل فيما يقال في المساجد
من وعظ وإرشاد، وفي تعيين الأئمة (القصاص) الذين أطلقت عليهم أئمة الجماعة
(قصاص الجماعة)، والشيء نفسه حصل مع قصاص أو علماء وأئمة الخوارج والشيعة
والمعتزلة وغيرهم. وبهذا انقسم القصاص إلى قصاص الخاصة (الدولة)، وقصاص
العامة (المعارضة)، وقد نهى علماء الدولة عن السماع لهم والجلوس معهم.
ويبدو
واضحاً من خلال روايات القصاص وجود علاقة وطيدة بين القصاص، وبين نشأة
المدرسة التاريخية المستمدة من تاريخ الأنبياء عليهم السلام، وسيرة النبي
r، وسيرة أصحابه، ومن القصاص تشكلت أول مدرسة تحدثت عن تاريخ الأنبياء
عليهم السلام، وسيرة الرسول r، ومغازيه وسيرة أصحابه.
الدراسة كاملة