ملامح الحياة اليومية لأسرة عربية ـ أميركية في رمضان

ملامح الحياة اليومية لأسرة عربية ـ أميركية في رمضان

أحداث 11 سبتمبر تركت تأثيرات مباشرة على أسرة ناجي المنتصر

نيويورك: دانيال واكين *
في الايام الاولى من رمضان هبطت غلالة خفيفة من الكآبة على منزل اسرة ناجي المنتصر. فقد كانت تلك هي المرة الاولى التي يغيب فيها عن مائدة الافطار الابن الاكبر يوسف، الذي يعمل بالحرس الوطني واستدعي بعد 11 سبتمبر (ايلول). الابن الثاني، محمد، قضى اغلب المساء بغرفته. اصابه الهجموم باكتئاب اجبره على التخلي عن الدراسة، وهو في عامه النهائي من الثانوية العليا. اما الام، ديبي، فقد كانت حزينة لموت شقيق لاحدى صديقاتها في مبنى مركز التجارة العالمي.
الاثر الذي خلفته الهجمات الارهابية على هذه الاسرة العربية الاميركية، التي تقيم في ويست ميدويست، بروكلين، كان فادحا. وكانت الاسرة وهي حول مائدة الافطار العامرة تتحدث عن ان الهجمات، من الجانب الآخر، جعلت صيامهم العام الحالي، في هذا الشهر المبارك، اكثر اخلاصا وتأملا. وقال افراد الاسرة ان الكارثة جعلتهم اكثر شعورا بالعرفان والامتنان لله في وقت يحل فيه على الاميركيين عيد الشكر.
قال رب الاسرة ، ناجي المنتصر: «هذا شفاء لنا ولارواحنا.. انه مناسبة للتامل، وللحمد والشكر. وما دامت احداث 11 سبتمبر قد مضت، فاننا اصبحنا اعمق احساسا بما انعم الله علينا، واكثر امتنانا، واكثر تفهما واكثر تعاطفا وتراحما».
تدخل اسرة المنتصر في اجواء رمضان، رغم الكآبة، ورغم الضغوط التي يتعرض لها المسلمون في البلدان الغربية، وتعيش الاسرة هذا الشهر بمزيج مدهش من المفاهيم الاسلامية وحياة القرن الواحد والعشرين سريعة الايقاع في نيويورك. وتتكون الاسرة من المنتصر، الذي كان يملك مطعما، ويعمل الآن في فندقي هيلتون وتورز بنيويورك، متعهدا للولائم، ويوسف (19سنة)، عامل الاطفاء الذي يعمل الآن بالحرس الوطني ومحمد (17سنة)، الطالب بالثانوية العليا، وشفاء (13سنة)، الابنة التي تدرس بالصف الثامن بمدرسة نور الاسلامية بصن سيت بارك ووالدة المنتصر، هايلة المنتصر (62 سنة)، التي غادرت اليمن مع المنتصر عام 1965 بعد عامين من وصول زوجها ووالده احمد.
آل المنتصر معروفون في الدوائر العربية والاسلامية في بروكلين، فالاسرة كانت تملك المطعم الشهير: «موروكان ستار» باتلانتيك افينيو من عام 1977 الى 1991، ويبدو انهم كانوا يشعرون بالمسؤولية ليكونوا مثالا لما ينبغي ان يكون عليه المسلم في اميركا، ولكن الامر لم يسر على هذا المنوال في كل الاحوال، فالاباء كانوا يهتمون بالاندماج في المجتمع الاميركي اكثر من اهتمامهم بمراعاة القيم الاسلامية. وبعد رحلة من الصراع من اجل الهداية والايمان، اكتشف المنتصر دينه من جديد عندما بلغ التاسعة عشرة من العمر. وقد صار اكثر مراعاة لتعاليم الدين عندما تقدمت به السن. وهو يربي اطفاله وفق التعاليم الاسلامية، ويعد صوم رمضان من اركان هذه التربية.
في العالم الاسلامي يبدأ رمضان مع رؤية الشهر، ولكن المسلمين في الدول الغربية، يحددون بداية الصيام بطرق مختلفة: المحادثات الهاتفية او البريد الالكتروني من الاقارب والاصدقاء بالخارج او بالوطن، المساجد المحلية، المواقع الاسلامية على الانترنت. المنتصر، مثلا، تلقى محادثة من صديق، هو امام مسجد، يوم الخميس.
كان ذلك يوم الاحد، وهmج م نادر من حيث الهدوء الذي تنعم به هذه الاسرة كثيرة الاعمال. وكانت الاسرة تجلس لتناول طعام الافطار: «هل حان الوقت يا اولاد؟ يالله نفطر اذن». هكذا جاءت اشارة البداية من كبيرة الاسرة، موجهة كلامها للآخرين.
ثم تحول الحوار الى يوسف. فهو امر بالتوجه مباشرة لعملية الانقاذ بمبنى مركز التجارة العالمي وقضى عشرة ايام يحفر بين الانقاض. وكان غيابه محزنا. وقال المنتصر بفخر: «انني اعرف ان واحدا من افراد هذه العائلة يمثلنا هناك».
يوسف كان صائما ايضا وهو بالشارع 67، وهو اختصاصي الحق بالكتيبة 230 اشارات، التابعة للحرس الوطني، للاشراف على معدات الاتصالات. وقد افطر على زجاجة من الماء وتناول افطاره فيما بعد بالميس التابع للحرس.
قال عن الصوم: «انه يقربني من نفسي.. اما المعاناة؟ فانا اعاني منذ 11سبتمبر.. هذا ليس شيئا جديدا بالنسبة لي».
وعلى مائدة الافطار عند عائلة المنتصر كان لا بد ان يعرج الحديث على ما حدث في مركز التجارة العالمي والحرب في افغانستان. وقال المنتصر ان المعاناة التي لحقت بالاسر من جراء الحدثين صارت اثارها اكثر قسوة في رمضان.
لقد اعطتني فرصة للتامل حول كل الاشياء.. واحمد الله واشكره ان اسرتي بخير.
شفاء بدات الصيام عندما كانت في الصف الرابع، وهي تضع ايشاربا على رأسها.. محمد ظهر لفترة قصيرة وعاد الى غرفته منطويا على نفسه، صار يقضي وقتا طويلا بغرفته بعد المضايقات التي تعرض لها في المدرسة بعد 11 سبتمبر بسبب اصله العربي. وفي ما بعد قال: «ان الصيام يمكن ان يكون صعبا، هناك دائما الرغبة في تناول الطعام وما يمثله ذلك من اغراء.. ولكني لا استسلم». ربما قال ذلك جزئيا لتفادي ازعاج اسرته. وقال ان الصيام، يجعله يجد نفسه». وقد خفض من عدد الساعات التي يقضيها على الانترنت وهي 5 ساعات في اليوم.
بعد الافطار يحين وقت الذهاب الى المسجد من اجل صلاة العشاء والتراويح. وقد بقي محمد بالمنزل للاهتمام بجدته.
يوم الاثنين الماضي قرر المنتصر توزيع البلح على المساجد، ولكن نزلة برد حالت بينه وبين ذلك. وفي المساء قدم وليمة بالهيلتون في اطار عمله. وعندما انتبه الى غياب الشمس تناول نصف كوب من الماء وتناول طعامه بالكافتيريا حوالي الساعة السادسة.
يوم التدريس بالنسبة للمنتصر الاخ طويل نسبيا، ثم يعقبه درس خاص بكلية باروش عن ادارة المدارس. شفاء ذهبت الى المدرسة، بينما بقي محمد بالمنزل. يوسف بمكان عمله يؤدي واجباته نهارا ويوزع الهواتف الجوالة على اعضاء الحرس الوطني ليلا. يقول المنتصر: «احاول ان اعلم اولادي ان نكون شاكرين كل الوقت». ولذلك فهو لا يعد مائدة خاصة ليوم الشكر يوم الخميس الاخير من نوفمبر.
* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»