فلا نؤيد
الرأي الأول عندما
يقول بأنه يستوجب الأخذ بآراء الفقه الإسلامي ومنها إذ أنه لا يمكن في العصر
الحالي تطبيق بعض الآراء التي طبقها الرأي( الفقه الإسلامي) على أساس الأعراف السائدة
آنذاك، غير أن هذه الأعراف تتغير مع كل زمان ومكان ومن ثم لا يمكن القول بتحديد سن
الزواج الذي جاء به الفقه الإسلامي على أساس بلوغ الأمارات الطبيعية بمعنى أدق لا
يمكن لنا أن نسمح للمرأة أن تتزوج بمجرد أن أصبحت من ذوات الحيض أي عند بلوغها 12
سنة.
أما
الرأي الثاني لا يمكن
الأخذ به لسبب واحد وهو أن العادات والتقاليد والأعراف الإسلامية المنتشرة في
الجزائر تختلف اختلافا جذريا عن تلك السائدة في الدول الغربية، بل حتى النصوص
القانونية فلا يمكن مثلا السماح للشخص أن يتزوج مع الشخص الآخر من نفس الجنس، ولا
يمكن كذلك أن نجعل لابن الزنا نفس المرتبة مع الابن الشرعي وإلا انتشرت الفاحشة
كما هو عندهم.
والجدير بالملاحظة أن أهم النقاط التي كان يسود حولها الاختلاف تتمثل فيما
يلي:
-
السماح للمرأة البالغة الزواج بدون ولي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» .
-
عدم السماح للزوجة المسلمة الزواج بغير المسلم:
السبب هو أن المرأة عندما تتزوج بغير مسلم تصبح خاضعة لأوامر زوجها الكافر.
-
تتعلق بتعدد الزوجات: الإسلام يسمح
بالتعدد الشرعي عكس الواقع المنتشر في الدول الغربية، قال الله تعالى :« فانكحوا ما طاب
لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع»، وقال أيضا:« لن تعدلوا بين الناس ولو حرصتم».
-
الطلاق: العصمة بيد
الرجل وهو الذي يطلق وقد سمح له الفقه الإسلامي بأن يطلق زوجته حتى ولو لم يكن له
سبب، أي أن الطلاق في هذه الحالة يقع ولكنه آثم وعقوبته أخروية، فالمرأة لا يمكن
لها طلب التطليق إلا إذا كان لها سبب وأن مصدر حق الزوج في الطلاق قوله تعالى:« يا أيها النبي
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» وهناك عدة آيات أخرى تبين أن الخطاب موجه للرجل لا
للمرأة.
-
التبني: وهو إستلحاق
شخص بلقب شخص آخر، ويكون الشخص الأول معلوم أو مجهول النسب مع اليقين أنه ليس منه،
وغالبا ما يكون المتبنى ابن زنا، والتبني ممنوع شرعا وقانونا المادة 46 قانون الأسرة،
ويقول الله تعالى:« ...
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله...» .
-
الميراث: هو أنه ينبغي
حسب الرأي الثاني أن تأخذ المرأة نفس حصة الرجل سواء أكانت بنت أو زوجة أو أم أو أخت،
بينما الرأي الأول يرى بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وخير دليل قوله تعالى:« يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...» .
-
الصداق: (المهر) ، يرى
الرأي الثاني وجوب إتمام عقد الزواج بدون مهر لأن المرأة ليست محل بيع وشراء،
بينما أصحاب الرأي الأول يرون بتطبيق قوله تعالى:« وآتوا النساء صدقاتهن نحلة».
أمام هذه الآراء المتضاربة بعضها البعض ينبغي القول أن المجتمع الجزائريمجتمع إسلامي وأمام النصوص القرآنية والأحكام النبوية سالفة الذكر، أن نطبق أحكامالشريعة الإسلامية وإلا سنطبق أحكام تغريبية على مجتمع مسلم وذلك ما يؤدي إلىتضارب بين القانون والوسط الاجتماعي فيصبح الأول في واد والثاني في واد آخر.
ملاحظات حول قانون الأسرةوالتعديلات المدخلة عليه:المشرع قد جاء بقانون الأسرة في 09/06/1984 وورد فيه أحكام الزواج والطلاق
وآثارهما من المادة 4 إلى المادة 80، والنيابة الشرعية من المادة 81 إلى المادة 125، والميراث من المادة 126 إلى المادة 183،
وأخيرا التبرعات من المادة
184 إلى المادة 220.
ومما يلاحظ على هذا القانون أنه جعل من أحكام الزواج والطلاق وأحكامهما ⅓ النصوص الواردة
في هذا القانون، ولكن قبل اللجوء إلى تفسير أحكامه ينبغي تبيان مصادره وينبغي طرح
السؤال التالي:
هل أن المشرع قد فتح باب الاجتهاد سامحا بذلك للقاضي أن يجتهدرأيه؟أم أنه قد غلق ذلك الباب وما على القاضي إلا أن يطبق ما ورد في هذا القانون؟ للإجابة عليه تنص المادة
222 قا.أ على أنه:"
كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة
الإسلامية".
وتماشيا مع هذا النص فإن المشرع الجزائري عند طرح القضية عليه أن يبحث عن
الحكم في النصوص الواردة في قانون الأسرة وفي حالة إذا لم يجد يرجع إلى أحكام
الشريعة الإسلامية، والملفت للانتباه هو أمن المشرع الجزائري قد فتح باب الاجتهاد
عند انتفاء النص التشريعي على مصراعيه بحيث لم يقيد القاضي بمذهب معين بل للقاضي
الجزائري أن يبحث عن الحل الأنجح في أي مذهب من المذاهب السنية بل حتى في المذهب
الظاهري كما أخذ به المشرع بشأن التنزيل م 169 قا.أ، وذلك على خلاف المشرع الموريتاني م311 قا.الأحوال الشخصية،
والمشرع المغربي م 400 من
مدونة الأسرة بحيث
جعل من المذهب المالكي المصدر الأساسي الذي ينبغي على القاضي أن يرجع إليه في حالة
انتفاء النص التشريعي، ويشترط في القاضي الجزائري أن يكون متخصص في قا.أ.
* تطبيق قانون الأسرة من حيث الأشخاص:هل أخذ المشرع الجزائري بنظام الطوائف؟ ويعني
هذا النظام هو أنه عندما تطرح القضية على المحكمة ينبغي على القاضي أن يسأل
المتقاضي عن الديانة التي ينتمي إليها حتى يحدد القانون الواجب التطبيق، فإذا كان
الشخص ينتمي إلى الديانة المسيحية يطبق عليه الأحكام الواردة في هذه الديانة وهو
نظام معمول به في دول الشرق الأوسط كلبنان وكذلك في المغرب بالنسبة للطائفة
اليهودية، أما المشرع الجزائري لم يأخذ بنظام الطوائف بحيث قد نص في م 221 قا.أ على أنه:" يطبق هذا القانون على كل
المواطنين الجزائريين وعلى غيرهم من المقيمين بالجزائر مع مراعاة الأحكام الواردة في القانون
المدني"، وبتحليل هذا النص نستشف ما يلي:
1-
النزاع إذا كان أحد أطرافه يحمل
الجنسية الجزائرية وهو متمسك بالدين الإسلامي أم لا فأحكام قا.أ هي التي يخضع لها.
المشرع أخذ بضابط الجنسية وليس ضابط الديانة أو الإقليم.
2-
أما الاستثناءات الواردة في م 221
قا.أ تتعلق فقط بأحكام القانون المدني الخاصة بمواد القانون الدولي الخاص (م9 إلى م 24 قا.م).
المشرع لم يأخذ بنظام الطوائف وخير دليل على ذلك م1 قا.أ بالتنصيص على أنه:" تخضع جميع العلاقات بين
أفراد الأسرة لأحكام
هذا القانون"، ويطبق قانون الأسرة من حيث الأشخاص على كل الحاملين
للجنسية الجزائرية مع الاستثناء الوارد على المقيمين الأجانب في الجزائر.
الملاحظة الأخيرة حول قانون الأسرة هو أن المشرع قد جاء بنصوص تارة هي
غامضة وتارة أخرى هي ناقصة وتارة أخرى هي متضاربة بعضها البعض، ومما يجعل على
القاضي الصعوبة في إيجاد النص الواجب التطبيق بحيث أن المشرع لم يرافق لهذا النص
لا بالأعمال التحضيرية ولا بالمذكرة الإيضاحية.
أما بشأن التعديلات التي أدخلها المشرع على قانون الأسرة
فهي مست فقط بعض أحكام الزواج والطلاق وآثارهما والنيابة الشرعية في جانب معين،
وأن أهم الملاحظ على هذه التعديلات وذلك بصفة عامة كأن الطرف الوحيد في العلاقات
الزوجية هي المرأة دون باقي الأطراف وخير دليل على ذلك النصوص التالية:
1-
م 8 قا.أ وما يليها المتعلقة بتعدد الزوجات حيث أن المشرع قد
أدخل في هذه المادة شرط الحصول على الإذن القضائي، كما أكد في م 8 مكرر قا.أ على حق
الزوجة في رفع دعوى قضائية ضد الزوج من أجل طلب التطليق في حالة التدليس.
2- م 11 قا.أ
التي أصبحت تنص على أنه:"
تعقد المرأة الراشدة زواجها بحضور وليها وهو أبوها أو أحد أقاربها أو أي شخص آخر
تختاره...".
3-
م 36 قا.أ وما يليها، واجبات وحقوق الزوجين، في هذه المواد نص
المشرع بطريقة عشوائية على حقوق الزوجين وواجباتهما ولم يفرق ما هو واجب بالنسبة
للزوجة وكذلك الأمر بالنسبة للزوج بل نص على الواجبات والحقوق المشتركة للزوجين في
هذه المادة.
4-
كما أن المشرع قد ألغى م 20 قا.أ المتعلقة
بالزواج عن طريق الوكالة ومن ثم قد أصبح يشترط حضور الزوج يوم إبرام العقد.
5-
كذلك ألغى المشرع م 38 و م 39 قا.أ، الأولى
كانت تبين لنا حق الزوجة في زيارة أهلها والتصرف في مالها، والثانية حددت واجبات
الزوجة في طاعة الزوج ومراعاته باعتباره رئيس الأسرة وكذلك إرضاع الأولاد واحترام
والدي الزوج.
6-
نص المشرع في م 53 قا.أ على حق الزوجة
في التطليق بحيث فتح باب التطليق على مصراعيه فبعدما كان ينص على
7 أسبابفي المادة المعدلة أصبح ينص على
10 أسباب.
7-
م 87 قا.أ التي منحت حق الولاية للحاضن سواء كان ذكر أو أنثى على
أولاده المحضونين وهنا خروج فاضح عن أحكام الشريعة الإسلامية لأن الحضانة شيء
والولاية شيء آخر.
...يتبع