التصرف واحتكار السلطة
تمتلك الشرطة قدر كبير من المساحة للتصرف واحتكار السلطة، والتصرف واحتكار السلطة امران قويان لظهور الفساد، وبالنتيجة فان ضباط الشرطة في كل مكان لا بد من ان تجري غربلتهم واخضاعهم الى نظام شبه عسكري وتقصي وضعهم الاجتماعي والتاكد من حسن السيرة، كذلك التاكد من ماضيهم ومدى حصانتهم عن دائرة الجريمة الاقتصادية وما شابه. ورجل الشرطة بعد الزمالة الطويلة لرفاقه الشرطة يكون لديه شعور بالكتلة المضادة للمجتمع ويشعر بنوع من الاستعلائية بكونه هو ذاته القانون الذي لا بد من ان يطاع وذلك لتماهيه غير الواعي مع القانون الذي ينفذه، ومن خلال هذا التماهي فانه يجيز لنفسه التجاوز على القوانين ذاتها باعتبارها طوعا لمخيله في التنفيذ والاضافة والنقص. كما يشعر البعض من رجال الشرطة بان مهمته التي يتفاعل معها ويضع بها من عندياته الشيئ المهم، كما يظن، فان راتبه هو اقل بكثير عن المهمة التي يؤديها وهو بتلك الاهمية الخطيرة ومن هذا الشعور فانه يجيز لنفسه ان يعقد صفقات من التسهيلات القانونية وتقبل الرشوة كاحدى استحقاقاته التي اغفلتها الدولة او الحكومة المباشرة التي يعمل لديها بصفة رجل قانون. ومن هذه الاسس فان بعض رجال الشرطة يعقدون اتفاق ضمني غير معلن وغير مشروط في ان يكونوا كتلة متساندة متعاضدة غير قابلة للاختراق من قبل المفتشين الاداريين وفي مناى من المسائلات القانونية. وفي هذه الحالة فان الفساد ياخذ بطرح نفسه كخط بياني متصاعد ويتحول الى منظمة غامضة للفساد على غرار المافيات. ويبدا افراد الشرطة هؤلاء يتفنّنون بالطرق والوسائل التي تخفي تحركاتهم المشبوهة وقد تتحول مساكنهم الى ما يشبه المكاتب للاتفاقات الشخصية لترويج معاملات غير قانونية. وعندما تتحول الشرطة الى مافيا فاسدة فانه يصبح من الصعوبة القضاء او على الاقل التقليل من الفساد. حيث ان هذا الجهاز مسلح بامكانيات الدولة كمستلزمات، وكقوة معنوية لارتباطها بقانون يمنحها الهيبة والقبول الاجتماعي فان سطوتها عندما تفسد ستكون رهيبة جدا في الوسط الاداري وفي الوسط الاجتماعي، وتسعى الى التخريب الاقتصادي والقوة المالية لذلك البلد. وتكمن خطورة الشرطة الفاسدة في انها تنقسم الى اصناف عدة، وعلى سبيل المثال شرطة الجمارك، فان هذا الصنف من الشرطة وفي شتى انحاء العالم يجد على الدوام فرصا عديدة للرشوة ، فقد يرغب الزبون بتخليص بضاعة باسرع من المعتاد ويقدم لتحقيق هذا الغرض نقودا سريعة وهذه النقود تنجز خدمة مشروعة ولكن باسرع مما هو طبيعي. وهناك نقود مضاعفة لخدمات يؤديها رجال الكمارك من الشرطة لانجاز خدمات غير مشروعة. كذلك قد يشتمل الفساد على استيراد بضائع غير مشروعة مقابل رشوة مناسبة كما يمكن للمخدرات ان تمر بسهولة شانها شان المواد الاباحية والافلام والادوية الفاسدة والمواد الغذائية الخارجة عن مدة الصلاحية. وهذه التسهيلات قد يتمتع بها مهربو النفط والمواد الحيوية من البلاد كالاخشاب والحديد والنحاس والالمنيوم والفوسفات وكل ما يرتبط بالموقف الصناعي او الزراعي من مستلزمات ومواد. اي بمعنى ان العملية مع الاستمرار بالفساد والتقائها مع اشكال اخرى كالفساد الاداري والمحاسبي تساهم في نكوص البلد وافقاره وتخريب الاقتصاد ومرتكزاته الاساسية. والتصدي الى الفساد في دوائر الشرطة للتقليل ان لم يكن لقطع جذوره نقترح اتخاذ الخطوات التالية:
1ـ اجراء التنقلات الدورية بين افراد الشرطة وتوزيعهم على المراكز الاخرى وجلب بدلائهم ليشغلوا محلاتهم من كل مركز رجل شرطة واحد كلما ظهر الفساد في نقطة اجرائية للشرطة.
2ـ تعديل الرواتب بما يتناسب مع الوضع المعيشي للشرطة بحيث تحقق تلك الرواتب موازنة معقولة في القوة الشرائية ومسح كل ما يؤدي الى العوز.
3ـ ضرورة ان يكون المتجند في الشرطة حسن السيرة والسلوك ومعرفة ماضيه فيما اذا كان قد تورط في الفساد او السرقة وما شابه.
4ـ تفعيل اللجان التفتيشية وتغييرها دوريا لكل ستة اشهر مثلا.
5ـ استحداث وظيفة الرقيب القانوني بصورة مدورة في ادارات الشرطة على ان يكون تواجده لمدة شهر واحد في كل دائرة ويستبدل برقيب قانوني آخر.
6ـ عقد ندوات تثقيفية لتبادل الخبرات والبحوث والمقترحات بين اللجان التفتيشية والرقباء القانونيون على ان يحضر هذه الندوات بعض ضباط الشرطة الاطراف على وجه التحديد بكونهم الفاعلون في مباشرة تطبيق القوانين ويكون الفارق الزمني بين الندوتين ثلاثين يوما فقط.
7ـ عقد ندوات تثقيفية لافراد الشرطة والمفوضين واثارة الجانب الاخلاقي والديني لديهم بما يرسخ قناعاتهم بالجدوى الاخلاقية والجدوى القانونية واعتباره هو الحاضن لهم ولمجتمعهم كنقيض للفوضى والفساد.
8ـ التشديد على العقوبة والمسائلة القانونية للمنحرفين نحو الرشى والفساد ومخالفة القوانين السارية.
9ـ نقل ضباط الشرطة بصورة دورية على ان لايكمل الضابط في المركز مدة العام الواحد.
10ـ ينبغي ان تكون شكاوى المواطنين حصرا في الرقباء القانونيون ولجان التفتيش، وليس في مراكز الشرطة كما هو سائد بصورة خاطئة، على ان تفتح هذه الصناديق في موعد الندوة التثقيفية وبمفتاح قاضي من القضاة.
11ـ المشاركة الجماهيرية في تلك الندوات او على الاقل اصحاب الشكاوي المقدمة للصندوق.
12ـ مكافئة المخلصين في اداء الواجب وفق حيثيات عمل رجل الشرطة التي ترسل الى اللجان التفتيشية دوريا من قبل الرقباء العاملون في مراكز الشرطة وليس من قبل الضباط، وان كانت تخضع لبعض ملاحظاتهم وتقييمهم للافراد العاملون بمعيتهم.
ان عملية القضاء على الفساد عملية كبيرة جدا ومن الخطأ الاستهانة بها وتحتاج الى امكانات وجهد مثابر ودؤوب، بل يحتاج الفساد الى ما يشبه الثورة للخلاص منه ومن آثاره المدمرة.
خصوصا وان الفساد يقع في مربع الشرطة المتمتعة بقوة قانونية ومضمرة في خيمتها وتحت هيبة الدولة فان الامر ينطوي على مغامرة فيما اذا تعلق الامر باعتراض المواطن على عمل الشرطة او الإخبار عن فسادها، كذلك صعوبة ان يكون المواطن دليلا للجان التفتيش او الرقباء القانونيون او قيامه بدور مساعد لدائرة الشؤون الداخلية المختصة بمواجهة فساد المنتسبين.